ابتسم يا أخي أنت في أمن الدولة

| |

الجماعة التانيين.. أمن الدولة.. جماعة تأمين كرسي الرئيس ومكافحة نشاط معارضيه

«
ابتسم يا أخي أنت في أمن الدولة»




شعار جديد لأهم جهاز في وزارة الداخلية ربما لن تسمع به إلا في مستشفي المجانين حيث يردد الشعار أحد المرضي المحولين من أمن الدولة بعد تعرضه لوصلة تعذيب وحشية أفقدته عقله وأحدثت له اضطرابات عصبية ونفسية مضاعفة فقرر أن يهرب من واقعه ويتخيل واقعاً وهمياً لمعاملة أمن الدولة معه كالذي يراه في أوروبا والدول المتقدمة أو في أفلام ومسلسلات التليفزيون المصري.. وعليه ربما يكون المشهد هكذا.

يأتي رجال أمن الدولة في زيارة ليلية حتي لا ينزعج الجيران ويدخل من بابا العمارة فيعتذر الضابط للبواب لأن تزييقة فتحة الباب أيقظته فيقوله أسفين جدا ارتاح ونام كما كنت ويصعد الضابط لشقة المتهم بمنتهي الهدوء عشان بقية العمارة لا تستيقظ ويخبط علي الباب ويظهر للمتهم إذن النيابة - التي رفضت أن تصدر هذا الإذن إلا بالتحقيق الموسع في محضر تحريات أمن الدولة - ويطلب منه بكل ود أن يأتي معهم في استضافة صغيرة لمقر الجهاز القابع في مدينة نصر المزود بكل الأدوات التكنولوجية الحديثة ومزود بمقهي عالمي يقدم أفخر أنواع القهوة والمشروبات الساخنة «جدا جدا»،

وقبل أن يبدأ التحقيق يسألك الضابط تحب تشرب شاي يا أخ فضل ، فتضع قدما علي قدم في وجه الضابط وتقوله أيوة طبعا ويكون فتلة والسكر برة، ويستكمل الضابط تحقيقه مع الرجل في أمان وبدون أي توترات عصبية أو تداخلات «عبدالمعطي» الكهربائية أو «القفيانية» ويستأذن الضابط من المتهم أن يتوجه لرئيسه في العمل الذي يسأله بدوره إيه الأخبار.. فيرد الضابط الصغير كله تمام يا فندم.. ويسأل الباشا الكبير: أهم حاجة الناس قدمت لهم واجب تحية الزيارة.. فيرد عليه طبعا يا فندم أنت عارف الخدمة عندنا ولا الفنادق الكبيرة، فيضيق الباشا ويقوله حرام عليك بلاش مبالغة إحنا الخدمة عندنا مميزة بس.



هذه صورة «يوتوبية»- مقبلة من عصر المدينة الفاضلة الخيالية - ومن الصعب - قل من المستحيل- أن يصدق واحد في مصر أن ضابط أمن الدولة يكون بهذه الصورة فوق المثالية، خاصة وأن ضباط أمن الدولة قد «تفاعلوا» مع مواطنين كثيرين وتحديدا أولئك الذين ينتمون إلي «جماعة المعارضة».. وحينها يصبح رجال أمن الدولة هم «الجماعة التانيين».


منذ سنوات بعيدة وتحمل المعارضة في كل فترة من الزمن اسما مغايرا، فكانت في السابق الحزب الوطني الذي أسسه طبعا مصطفي كامل ثم حزب الوفد بزعامة سعد زغلول ومن سبقهم في تاريخ مصر من زعامات وطنية كالشيخ محمد عبده وعبدالله النديم ورشيد رضا إلي أن أصبحت «جماعة» الإخوان الآن هي الأكثر شعبية وتنظيما الآن، أما عن الجماعة التانيين التي لا تكف عن مواجهة المعارضة فكانت «جماعة» أمن الدولة.

والأمر لا يقف فحسب عند مواجهة الجماعة، وإنما دور جماعة أمن الدولة توغل وتوحش فأصبح يتدخل في كل صغيرة وكبيرة في البلد والأكثر عنفا في مواجهة النشطاء والسياسيين والأكثر توغلا في كل مسارات الحياة الاجتماعية والسياسية، فأمن الدولة الحاضر والهاجس الأول في تعيين عمداء ورؤساء الجامعات وفي اختيار المعيدين وحتي في موضوعات البحث العلمي ومناقشات الدرجات العلمية العليا مثل الدكتوراه والماجستير

و«جماعة» أمن الدولة هي الحاضر الأول والمشارك الأكثر فعالية في إعطاء أو منع التصاريح عن الجمعيات الخيرية ومؤسسات المجتمع المدني وإنشاء الشركات الجديدة وأيضا في اختيار الموظفين في الهيئات العليا، إذ إن تقرير الأمن ورقة أساسية في الوظائف الكبري في مصر بل بانحدار الحياة السياسية أصبح تقرير الأمن يحدد لابنك في المدرسة من سيكون المدرس الذي يلقنه ويعلمه دروسه، فانهيار التعليم في مصر ليس ببعيد عن هذا الجهاز الذي أصبح كل العاملين فيه من أصغرهم إلي أكبرهم شخصيات سيادية يخشي منها الجميع حتي زملاءهم من ضباط الشرطة الذين لا يعملون في هذا الجهاز.

وهكذا تحولت شهادة أو مذكرة تحريات جماعة أمن الدولة عن المواطن بمثابة شهادة أهم من كل أوراقه الرسمية التي تتقدم بها إلي أي جهة حكومية أو غير حكومية لتصبح جماعة أمن الدولة رغم تبعيتها إدارياً لوزارة الداخلية، غير أنها تتمتع بقدر من الخصوصية والسرية رغم أنه لا يوجد قانون خاص ينظم عملها ورغم أنها أقدم جهاز من نوعه في المنطقة العربية، وتغير اسم هذا الجهاز عبر الحقب التاريخية بداية من «القسم المخصوص» إلي «القلم السياسي» إلي «المباحث العامة» إلي «مباحث أمن الدولة»، حتي تغير اسمه إلي "قطاع مباحث أمن الدولة.. ثم «جهاز أمن الدولة»، والعجيب أنه رغم مرور الزمن واختلاف الحكومات من ملكية إلي جمهورية فإن جماعة أمن الدولة دوما وعلي طول الخط هي أقرب الجماعات إلي نظم الحكم مهما تغيرت، وأكبر دليل علي أهمية هذا الجهاز أن وزير الداخلية الحالي اللواء حبيب العادلي هو الرئيس السابق لجهاز أمن الدولة وهو الوزير الذي جلس أكبر فترة علي كرسي هذه الوزارة منذ الثورة، حيث عينه الرئيس مبارك خلفا لحسن الألفي في عام 1997 وتغيرت وزارات ورؤساء وزراء وهو باق مستقر في مكانه رغم كل حوادث الإرهاب والعنف التي حدثت في عهده إلا أن القيادة السياسية تثق فيه ثقة كبيرة ربما لأنه منح النخبة الحاكمة الشعور بالأمان الذي لم يستطع وزير من قبل أن يوفره للنظام الحاكم.

وتتمتع جماعة أمن الدولة بتنظيم قوي يشبه كثيرا تنظيم جماعة الإخوان المسلمين مع الفارق في الهدف والسلطة ، فجهاز أمن الدولة له تقسيمات إدارية وفنية ونوعية وفكرية ومقسم لشعب أساسية أولها وربما أهمها شعبة «مكافحة النشاط الديني» ويندرج تحتها فروع عدة مثل الإخوان المسلمين والسلفيين والجماعة الإسلامية والبهائيين والقرآنيين والشيعة، والأقباط أيضا تابعون لنفس هذه الشعبة ولعل جنازة وكيل جهاز أمن الدولة الذي كان مسئول مكافحة النشاط الديني كشفت عن طبيعة وخطورة عمله، حيث حضر الجنازة والعزاء قيادات الإخوان علي رأسهم مرشد الجماعة الدكتور محمد بديع وكذلك كل قيادات الجماعة الإسلامية علي رأسهم الدكتور ناجح إبراهيم وأيضا حضور قيادات الكنيسة المصرية علي رأسهم الأنبا أرميا سكرتير البابا شنودة والأنبا يؤانس سكرتيره الشخصي والأنبا بطرس أحد أعضاء سكرتارية البابا ليقدموا واجب العزاء فيه في نفس يوم وصولهم من أمريكا في رحلة علاج البابا الأخيرة، وهذا الحضور مختلف الأطياف يكشف حجم قوة وسلطة هذا الجهاز.

كما أن هناك شعبا أخري بداخل جهاز «جماعة» أمن الدولة كلها معروفة بمكافحة النشاط السياسي مثل مجموعة متابعة الأحزاب ومتابعة النشاط الشيوعي ومتابعة النشاط الإعلامي والفكري والمختصة بالصحفيين والمفكرين وأصحاب الرأي ودور نشر الكتب، ويضاف إلي ذلك مجموعة مكافحة نشاط النقابات، وكل هذه الشعب بها عدد من الضباط المتابعين للملف باعتبارهم متخصصين في مجالاتهم.

وإذا كان لا أحد يستطيع أن ينكر حق جهاز الأمن في أن يكون مستيقظا وواعيا بكل ما يحدث في البلاد حفاظا علي الاستقرار، لكن أن يتحول هذا الجهاز من خدمة المواطن إلي جهاز مكافحة النشاط السياسي وكأن هذا النشاط مخدرات ويجب توقيف حركته فهو ما يستحق الوقوف عنده، لمعرفة كيف خرج هذا الجهاز عن دوره وهدفه الأساسي من جهاز خاص للمحافظة علي الأمن إلي جهاز بطش وتعذيب وعصا غليظة لمواجهة معارضي النظام.

ولعل ما كشف عنه حزب الكرامة - تحت التأسيس - برئاسة النائب حمدين صباحي -قبل عدة أشهر- عن وجود وثائق تثبت تجسس «جماعة» أمن الدولة علي عدد من المرشحين المحتملين لرئاسة الجمهورية، وعلي رأسهم حمدين نفسه والدكتور أيمن نور مؤسس حزب الغد والدكتور محمد البرادعي والسيد عمرو موسي.، يكشف أي دور يلعبه الجهاز في الشأن السياسي المصري، لكن بكل تأكيد الدور لا يقف عند حدود المتابعة والمراقبة وكتابة التقارير فحسب.

وإذا كان البعض قد يشكك في الكلام المرسل أو المنقول عن مصادر غير محددة، فإن ما سنورده في السطور القادمة هي تجربة حية لكاتب هذه السطور عندما تعاملت معه أجهزة «الجماعة التانيين» في مقرها الرئيسي بمدينة نصر الذي أصبح - في نظر كثيرين ممن ذاقوا العذاب بداخله - سلخانة كبيرة ليس فقط للمصريين المعارضين بل أيضا مكانا للتعذيب بالوكالة لصالح المخابرات الأمريكية في إطار حملتها المعروفة بالحرب علي الإرهاب وهو ما أوردته منظمات حقوقية دولية في حادثين شهيرين.

والقصة تعود إلي أول يناير من عام 2003، حيث عاش كاتب هذه السطور ومعه 13 ناشطا من الإخوان أقسي أيام الرعب والخوف والإهانة والإذلال في حياتنا، 13 يوما في مقر أمن الدولة بمدينة نصر مطلوب منك فيها أن تنسي أنك إنسان من الأساس، حيث تم القبض علينا في لقاء تنظيمي لقيادات العمل الطلابي في جامعات مصر لمناقشة التهديدات الأمريكية باحتلال العراق وما الدور الذي يمكن أن يقوم طلاب الإخوان للاحتجاج السلمي علي هذا العدوان المنتظر في هذا الوقت، فتم اقتحام اجتماعنا بشكل أشبه بأفلام العصابات والكاو بوي الأمريكية، حيث طلب منا أن ننبطح أرضا ثم قيدونا من الخلف، ثم تم توجيهنا إلي نيابة أمن الدولة بتهمة الانتماء لجماعة علي خلاف القانون (الإخوان المسلمين ) وقررت النيابة حبسنا 15 يوماً حبساً احتياطياً علي ذمة التحقيقات بسجن مزرعة طرة.

وفي صباح 2003/1/14 تم توجيهنا من جديد للنيابة لتأمر باستمرار حبسنا 15 يوما جديدا، وصعدنا لسيارة الترحيلات التي أخذتنا لمنطقة سجون طرة إلا أنها توجهت لسجن آخر داخل المنطقة وهو سجن الاستقبال، وقال لنا الضابط المسئول عن ترحيلنا: إننا سنضطر لاحتجازكم بهذا السجن الجديد ليلة واحدة فقط نظرا لوجود تفتيش علي سجن مزرعة طره...ولم أتعجب فأنا لا أعرف ما هو المنتظر !!

ودخلنا السجن الجديد الذي من المفترض أن نقضي به ليلة واحدة، وفي حوالي الساعة الثانية عشرة بعد منتصف الليل دخل علينا مأمور سجن الاستقبال الزنزانة وطالبنا بالاستعداد للخروج ، فسألناه هل سنعود لمحبسنا الأساسي

فرد قائلا: لا أنتم ذاهبون لمشوار بسيط ساعة وسوف تعودون هنا من جديد ولكن كل واحد منكم يأخذ شئيا ليدفئ به رقبته من البرد ، ولأني لم أكن أفهم شئيا ولم يكن الجو باردا لهذه الدرجة فخرجت من الزنزانة بدون أن أضع شئيا علي رقبتي ، ففاجأني مأمور السجن قائلا: «يا ابني خذ شيئا نظيفا عصب به عينيك بدل ما يعصبوا عينيك بحاجة وسخة».. فتعجبت..!! أعصب عيني....!!! لماذا؟ إلي أين سنذهب؟ وكانت هذه العملية معروفة بأننا «مسحوبين» وهذا السجن مشهور عنه هذا الأجراء غير القانوني حيث يتم نقل السجين من محبسه الأساسي ليسحب من هذا السجن لمقر التعذيب ويظل مدونا في الدفاتر الرسمية أنه مسجونا في محبسه الأصلي. عندما خرجنا لصالة السجن الرئيسية بصحبة عساكر من السجن فوجئنا بأصوات غليظة تطالبنا بعدم التحدث مطلقا وبترك أي متعلقات لنا في السجن ، فقلت لصاحب الصوت الغليظ: ليس معي غير المصحف وسبحة

فرد علي قائلا: لا يا روح أمك أنت مش محتاج لهم في حاجة ، ثم استلمني صاحب الصوت الغليظ وقيد يدي من الخلف بقيد حديدي

وأركبني سيارة لم أكن أعلم ما هو شكلها لأنني معصوب العينين، وطالبني بالجلوس، فجلست في مكان وقوفي علي أرض السيارة ظنا مني أنها سيارة ترحيلات، ففوجئت بصفعة شديدة في وجهي ( ضربة ملاكم ) قائلا: أنت مش شايف الكرسي يا ابن. ..... فقلت سرا بالتأكيد: كيف أري و أنا معصب العينين وكنت خائفاً جداً، وانطلقت بنا السيارة التي علي ما يبدو كانت أتوبيسا كبيرا وذلك بعدما وضعوا رءوسنا تحت الكراسي وغطونا ببطاطين ،وفجأة وقف الأتوبيس ثم انحدر انحداراً شديدا في مكان يبدو أنه تحت الأرض ثم أنزلونا من السيارة بكل عنف وهم يوجهون لنا أقذر الشتائم ثم قاموا بصفنا متجاورين.

ثم جاءنا رجل بصوت جهوري وغليظ وعرفته من صوته أنه الباشا الكبير يستقبلنا قائلا: أهلا بكم أحب أن أعرفكم أين أنتم. .إنتو هنا في جوانتانامو مصر مضيفا: إحنا هنا عذبنا اعتي عتاة القاعدة. .انتم هنا عشان تعرفوا انتو مين بالضبط يا ولاد الكلب. .فاكرين نفسكم جماعة بحق وحقيقي. .انتو هنا كلاب»، وهذا- كما هو واضح - اعتراف رسمي من أحد ضباط الجهاز بعمليات التعذيب بالوكالة.

ثم أضاف: أنتم هنا مش بني آدمين انتم هنا أرقام ويا ويله اللي اسأله هو مين ويقولي اسمه.

وعليه كان يجب أن أنسي اسمي وأتذكر فقط أني لست سوي النزيل «25»، وإذا سألني أحد أنت مين لابد وأن أقول له أنا 25 يا فندم، ومن ينسي ويقول اسمه الحقيقي تناله وصلة من الضرب المبرح لنسيانه اسمه الكودي بمقر التعذيب

ثم تمت مطالبتنا بخلع أحذيتنا وجواربنا لنظل حفاة طوال فترة إقامتنا بهذا المكان التي وصلت لـ 13 يوماً، وفي حفل الاستقبال بالجهاز وجهوا رءوسنا للحائط وظللنا واقفين علي أقدامنا حفاة علي أرض من السيراميك لمدة زادت عن الـ14 ساعة ومن يقع علي الأرض يتم إعادته واقفا بعد أن يتم سحله.

وبعد مرور الساعات الأربعة عشر أدخلونا زنازين انفرادية لا تزيد مساحتها علي مساحة القبر متر أو مترين في متر ونصف ليس بها سوي مصطبة أسمنتية وحمام بلدي وحنفية مياه، وبعد أن دخلت الزنزانة وأغلق الباب اجتهدت حتي نزعت العصابة من علي عيني ظنا مني أنني سأخلعها أثناء وجودي بالزنزانة، وفجأة فُتح الباب.... شاهدته وشاهدني. ..يبدو أنه أحد حراس المكان شخص ضخم الجثة شديد البأس، وواجهني بعدة لكمات شديدة في وجهي وهو يسبني ويسألني: «مين اللي قالك تشيل الغماية».

ومن ساعتها لم ترفع تلك العصابة من علي عيني مدة الـ 13 يوماً حتي أني لو شعرت أنها ستسقط أثناء التحقيق كنت أطلب من المحقق أن يربطها جيدا فهو يخاف أن أراه وأعرفه و أنا أيضا أخاف أن ينالني لكمات جديدة بسببها.

الزنزانة التي احتوتني طيلة الـ 13 يوماً قضيت فيها وقتي أنام وأصلي أستعمل الحمام وأنا مقيد اليدين من الخلف إلا فقط وقت الطعام يغير الحرس الكلابشات للأمام

وكان مطلوبا مني أنا أظل علي هذه المصطبة الأسمنتية طيلة الوقت حتي الصلاة كنت أصليها عليها لعدم طهارة الأرض، وظللت طوال الفترة بدون غطاء رغم كوننا في شهر يناير وهو من شهور الشتاء شديدة البرودة وكانت لنا ثلاث وجبات في اليوم

الإفطار: ويشمل رغيف عيش واحد عليه قطعة جبنة صغيرة جدا وقطعة حلاوة أصغر أو خمس إلي عشر حبات من الفول أوقطعة صغيرة من المربي، وهي نفسها وجبة العشاء

أما وجبة الغداء فكانت رغيف عيش واحد عليه كمية بسيطة جدا من الأرز وقطعة صغيرة من اللحم أو الدجاج.

وكان يمر علينا طبيب يوميا في الصباح والمساء ليداوي أي جراح تظهر ويعطينا أقراص دواء يطالبنا بابتلاعها وكنت ألقيها بعين الحمام فور خروجه

وكان يمر كل ساعتين أو ثلاث أحد الحرس وكنت مطالبا أول ما أشعر بفتحه الباب أن أقف سريعاً وإذا تأخرت لحظة أو ثانية واحدة في الوقوف ينالني وجبة دسمة من الضرب والسباب القذر، النوم في هذه الزنزانة كان مستحيلا أولا لأن معظم التحقيقات كانت تبدأ في منتصف الليل حتي الفجر، وأيضا لأن طوال الليل الحراس يتناولون الحشيش ويسبون بعضهم البعض بأقذر الشتائم بصوت عال ومزعج للغاية.

في أول ليلة دخلت فيها للمحقق وهو ضابط أمن دولة بالطبع كنت مقيدا من الخلف ومعصب العينين وحافي القدمين، صرخ الضابط المحقق في الحرس وقال له: يا حمار لما يدخل هنا التحقيق قيده أمامي

وفي البداية تعامل معي المحقق بأسلوب مهذب قائلا: إحنا متأسفين يا عبدالمنعم علي الأسلوب ده بس ده شغلنا وده نظام المكان، ثم قال :«إنت واضح إنك ولد محترم وابن ناس وملكش في البهدلة» فأكيد حتساعدني ولن تكذب عليً، وأنا لا أتكلم أستمع فقط لثرثرته ومحاولته التأثير عليً لأتحدث ، وفجأة سكت المحقق. ..ثم جاء صوت صراخ من خارج الغرفة. ...رجل يصرخ بشدة من التعذيب ويقول: «خلاص حتكلم. .حقول كل حاجة. ..ويزداد صراخه».

ثم تحدث المحقق من جديد وقال لي: اجلس إنت تعبان، بالفعل جلست علي الأرض،ثم تحدث مرة أخري عارف ده صوت مين يا عبدالمنعم! - (وكنت صامتاً لا أتحدث لأني كنت خائفاً للغاية- لكنه أضاف «ده صاحب البيت اللي اعتقلناكوا منه أصله بيكدب ومش عايز يتكلم».

فشعرت أنه يخيفني ويهددني لأتحدث بكل ما عندي من معلومات عن الإخوان، وفجأة فُتح الباب ودخل الرجل ذو الصوت الجهوري الباشا الكبير الذي استقبلنا وصرخ في وجه المحقق قائلا: «إيه يا فندي ده أنت مقعده ناقص تعزمه علي شاي... - واخد بالك من شاي دي - ثم وجه لي شتائم قذرة ثم قال له: «قوم علقه أحسن» في إشارة لبدء التعذيب ،فرد المحقق عليه: «معلش يا باشا عبدالمنعم ده ولد غلبان وطيب وحيتكلم وحيقول كل اللي عنده».

فشعرت وقتها أن هذا سيناريو معد لمحاولة إرهابي والتأثير عليً نفسيا ، ودارت التحقيقات معي لمدة ثمانية أيام متواصلة مرتين خلال اليوم، يسألني فيها عن كل شيء أقوم بعمله في حياتي ويواجهني بكل ما قمت بعمله أثناء الجامعة ( وكانت معلومات دقيقة ) وعندما أنفي الكلام أو أرفض الحديث يتم ضربي من خلال الحرس الموجود بشكل مبرح من ضرب وصفع وركل وسباب بالطبع، وكان هذا بشكل يومي خلال فترة التحقيق.

وانتهي التحقيق معيَ بعد ثمانية أيام وظللت الخمسة أيام المتبقية لا أخرج من الزنزانة لزيادة الضغط النفسي، ولكن كان يصلني أصوات صراخ زملائي أثناء ضربهم والاعتداء عليهم كما كان يصلهم صوت صراخي.

وانتهت التحقيقات مع المجموعة كلها وأخرجونا من الزنازين في منتصف الليل وأعطونا الأحذية الخاصة بنا وصعدنا لسيارة يبدو أنها نفس الأتوبيس الذي أتي بنا لكنهم في العودة وضعوا رؤوسنا تحت الكراسي ثم غطونا بالبطاطين مجدداً.

مرت هذه الأيام.. لكن أقسي ما أتذكره منها هو هذا الرعب الذي صاحبنا حتي خرجنا من هذا السجن السري الذي يتعرض فيه المئات من النشطاء للتعذيب بجميع الأشكال، وفي الوقت نفسه لم أكن في هذا المكان ولمدة 13 يوما سوي رقم.. «أنا 25 يا فندم».. ذلك الرعب الذي أنساني أنني إنسان.

والآن قد يسخر مني الأصدقاء حينما يباغتني شخص فجأة في الطريق فأشهق شهقة الخوف، لكنها صارت عادة لي لا أعرف التخلص منها، منذ ذلك الوقت الذي كنت في القبر المسمي بالزنزانة عندما أسمع صوت الباب يفتح كان مطلوبا مني أن أفزع من مكاني واقفا وإلا تعرضت للضرب المبرح حتي لو من العامل الذي يأتي لمسح الزنزانة.

وما حدث مع كاتب هذه السطور، يمكن أن أصفه بأنه أقل بكثير مما حدث مع قضايا إخوانية أخري مات فيها علي سبيل المثال مسعد قطب في مقر أمن الدولة بالجيزة ومات فيها أكرم زهيري بعد تجاهل إصابته بكسر في الحوض وارتفاع نسبة السكر بجسمه وربما ما يحدث مع الإخوان أيضا أقل بكثير مما يحدث مع أعضاء الجماعات الإسلامية والمتهمين في قضايا السلفية الجهادية ، لكن في كل الأحوال هذه بعض من سطور الرعب في سجلات أمن الدولة.. سجلات «الجماعة التانيين»!

0 التعليقات:

إرسال تعليق

الاثنين، 6 سبتمبر 2010

ابتسم يا أخي أنت في أمن الدولة

الجماعة التانيين.. أمن الدولة.. جماعة تأمين كرسي الرئيس ومكافحة نشاط معارضيه

«
ابتسم يا أخي أنت في أمن الدولة»




شعار جديد لأهم جهاز في وزارة الداخلية ربما لن تسمع به إلا في مستشفي المجانين حيث يردد الشعار أحد المرضي المحولين من أمن الدولة بعد تعرضه لوصلة تعذيب وحشية أفقدته عقله وأحدثت له اضطرابات عصبية ونفسية مضاعفة فقرر أن يهرب من واقعه ويتخيل واقعاً وهمياً لمعاملة أمن الدولة معه كالذي يراه في أوروبا والدول المتقدمة أو في أفلام ومسلسلات التليفزيون المصري.. وعليه ربما يكون المشهد هكذا.

يأتي رجال أمن الدولة في زيارة ليلية حتي لا ينزعج الجيران ويدخل من بابا العمارة فيعتذر الضابط للبواب لأن تزييقة فتحة الباب أيقظته فيقوله أسفين جدا ارتاح ونام كما كنت ويصعد الضابط لشقة المتهم بمنتهي الهدوء عشان بقية العمارة لا تستيقظ ويخبط علي الباب ويظهر للمتهم إذن النيابة - التي رفضت أن تصدر هذا الإذن إلا بالتحقيق الموسع في محضر تحريات أمن الدولة - ويطلب منه بكل ود أن يأتي معهم في استضافة صغيرة لمقر الجهاز القابع في مدينة نصر المزود بكل الأدوات التكنولوجية الحديثة ومزود بمقهي عالمي يقدم أفخر أنواع القهوة والمشروبات الساخنة «جدا جدا»،

وقبل أن يبدأ التحقيق يسألك الضابط تحب تشرب شاي يا أخ فضل ، فتضع قدما علي قدم في وجه الضابط وتقوله أيوة طبعا ويكون فتلة والسكر برة، ويستكمل الضابط تحقيقه مع الرجل في أمان وبدون أي توترات عصبية أو تداخلات «عبدالمعطي» الكهربائية أو «القفيانية» ويستأذن الضابط من المتهم أن يتوجه لرئيسه في العمل الذي يسأله بدوره إيه الأخبار.. فيرد الضابط الصغير كله تمام يا فندم.. ويسأل الباشا الكبير: أهم حاجة الناس قدمت لهم واجب تحية الزيارة.. فيرد عليه طبعا يا فندم أنت عارف الخدمة عندنا ولا الفنادق الكبيرة، فيضيق الباشا ويقوله حرام عليك بلاش مبالغة إحنا الخدمة عندنا مميزة بس.



هذه صورة «يوتوبية»- مقبلة من عصر المدينة الفاضلة الخيالية - ومن الصعب - قل من المستحيل- أن يصدق واحد في مصر أن ضابط أمن الدولة يكون بهذه الصورة فوق المثالية، خاصة وأن ضباط أمن الدولة قد «تفاعلوا» مع مواطنين كثيرين وتحديدا أولئك الذين ينتمون إلي «جماعة المعارضة».. وحينها يصبح رجال أمن الدولة هم «الجماعة التانيين».


منذ سنوات بعيدة وتحمل المعارضة في كل فترة من الزمن اسما مغايرا، فكانت في السابق الحزب الوطني الذي أسسه طبعا مصطفي كامل ثم حزب الوفد بزعامة سعد زغلول ومن سبقهم في تاريخ مصر من زعامات وطنية كالشيخ محمد عبده وعبدالله النديم ورشيد رضا إلي أن أصبحت «جماعة» الإخوان الآن هي الأكثر شعبية وتنظيما الآن، أما عن الجماعة التانيين التي لا تكف عن مواجهة المعارضة فكانت «جماعة» أمن الدولة.

والأمر لا يقف فحسب عند مواجهة الجماعة، وإنما دور جماعة أمن الدولة توغل وتوحش فأصبح يتدخل في كل صغيرة وكبيرة في البلد والأكثر عنفا في مواجهة النشطاء والسياسيين والأكثر توغلا في كل مسارات الحياة الاجتماعية والسياسية، فأمن الدولة الحاضر والهاجس الأول في تعيين عمداء ورؤساء الجامعات وفي اختيار المعيدين وحتي في موضوعات البحث العلمي ومناقشات الدرجات العلمية العليا مثل الدكتوراه والماجستير

و«جماعة» أمن الدولة هي الحاضر الأول والمشارك الأكثر فعالية في إعطاء أو منع التصاريح عن الجمعيات الخيرية ومؤسسات المجتمع المدني وإنشاء الشركات الجديدة وأيضا في اختيار الموظفين في الهيئات العليا، إذ إن تقرير الأمن ورقة أساسية في الوظائف الكبري في مصر بل بانحدار الحياة السياسية أصبح تقرير الأمن يحدد لابنك في المدرسة من سيكون المدرس الذي يلقنه ويعلمه دروسه، فانهيار التعليم في مصر ليس ببعيد عن هذا الجهاز الذي أصبح كل العاملين فيه من أصغرهم إلي أكبرهم شخصيات سيادية يخشي منها الجميع حتي زملاءهم من ضباط الشرطة الذين لا يعملون في هذا الجهاز.

وهكذا تحولت شهادة أو مذكرة تحريات جماعة أمن الدولة عن المواطن بمثابة شهادة أهم من كل أوراقه الرسمية التي تتقدم بها إلي أي جهة حكومية أو غير حكومية لتصبح جماعة أمن الدولة رغم تبعيتها إدارياً لوزارة الداخلية، غير أنها تتمتع بقدر من الخصوصية والسرية رغم أنه لا يوجد قانون خاص ينظم عملها ورغم أنها أقدم جهاز من نوعه في المنطقة العربية، وتغير اسم هذا الجهاز عبر الحقب التاريخية بداية من «القسم المخصوص» إلي «القلم السياسي» إلي «المباحث العامة» إلي «مباحث أمن الدولة»، حتي تغير اسمه إلي "قطاع مباحث أمن الدولة.. ثم «جهاز أمن الدولة»، والعجيب أنه رغم مرور الزمن واختلاف الحكومات من ملكية إلي جمهورية فإن جماعة أمن الدولة دوما وعلي طول الخط هي أقرب الجماعات إلي نظم الحكم مهما تغيرت، وأكبر دليل علي أهمية هذا الجهاز أن وزير الداخلية الحالي اللواء حبيب العادلي هو الرئيس السابق لجهاز أمن الدولة وهو الوزير الذي جلس أكبر فترة علي كرسي هذه الوزارة منذ الثورة، حيث عينه الرئيس مبارك خلفا لحسن الألفي في عام 1997 وتغيرت وزارات ورؤساء وزراء وهو باق مستقر في مكانه رغم كل حوادث الإرهاب والعنف التي حدثت في عهده إلا أن القيادة السياسية تثق فيه ثقة كبيرة ربما لأنه منح النخبة الحاكمة الشعور بالأمان الذي لم يستطع وزير من قبل أن يوفره للنظام الحاكم.

وتتمتع جماعة أمن الدولة بتنظيم قوي يشبه كثيرا تنظيم جماعة الإخوان المسلمين مع الفارق في الهدف والسلطة ، فجهاز أمن الدولة له تقسيمات إدارية وفنية ونوعية وفكرية ومقسم لشعب أساسية أولها وربما أهمها شعبة «مكافحة النشاط الديني» ويندرج تحتها فروع عدة مثل الإخوان المسلمين والسلفيين والجماعة الإسلامية والبهائيين والقرآنيين والشيعة، والأقباط أيضا تابعون لنفس هذه الشعبة ولعل جنازة وكيل جهاز أمن الدولة الذي كان مسئول مكافحة النشاط الديني كشفت عن طبيعة وخطورة عمله، حيث حضر الجنازة والعزاء قيادات الإخوان علي رأسهم مرشد الجماعة الدكتور محمد بديع وكذلك كل قيادات الجماعة الإسلامية علي رأسهم الدكتور ناجح إبراهيم وأيضا حضور قيادات الكنيسة المصرية علي رأسهم الأنبا أرميا سكرتير البابا شنودة والأنبا يؤانس سكرتيره الشخصي والأنبا بطرس أحد أعضاء سكرتارية البابا ليقدموا واجب العزاء فيه في نفس يوم وصولهم من أمريكا في رحلة علاج البابا الأخيرة، وهذا الحضور مختلف الأطياف يكشف حجم قوة وسلطة هذا الجهاز.

كما أن هناك شعبا أخري بداخل جهاز «جماعة» أمن الدولة كلها معروفة بمكافحة النشاط السياسي مثل مجموعة متابعة الأحزاب ومتابعة النشاط الشيوعي ومتابعة النشاط الإعلامي والفكري والمختصة بالصحفيين والمفكرين وأصحاب الرأي ودور نشر الكتب، ويضاف إلي ذلك مجموعة مكافحة نشاط النقابات، وكل هذه الشعب بها عدد من الضباط المتابعين للملف باعتبارهم متخصصين في مجالاتهم.

وإذا كان لا أحد يستطيع أن ينكر حق جهاز الأمن في أن يكون مستيقظا وواعيا بكل ما يحدث في البلاد حفاظا علي الاستقرار، لكن أن يتحول هذا الجهاز من خدمة المواطن إلي جهاز مكافحة النشاط السياسي وكأن هذا النشاط مخدرات ويجب توقيف حركته فهو ما يستحق الوقوف عنده، لمعرفة كيف خرج هذا الجهاز عن دوره وهدفه الأساسي من جهاز خاص للمحافظة علي الأمن إلي جهاز بطش وتعذيب وعصا غليظة لمواجهة معارضي النظام.

ولعل ما كشف عنه حزب الكرامة - تحت التأسيس - برئاسة النائب حمدين صباحي -قبل عدة أشهر- عن وجود وثائق تثبت تجسس «جماعة» أمن الدولة علي عدد من المرشحين المحتملين لرئاسة الجمهورية، وعلي رأسهم حمدين نفسه والدكتور أيمن نور مؤسس حزب الغد والدكتور محمد البرادعي والسيد عمرو موسي.، يكشف أي دور يلعبه الجهاز في الشأن السياسي المصري، لكن بكل تأكيد الدور لا يقف عند حدود المتابعة والمراقبة وكتابة التقارير فحسب.

وإذا كان البعض قد يشكك في الكلام المرسل أو المنقول عن مصادر غير محددة، فإن ما سنورده في السطور القادمة هي تجربة حية لكاتب هذه السطور عندما تعاملت معه أجهزة «الجماعة التانيين» في مقرها الرئيسي بمدينة نصر الذي أصبح - في نظر كثيرين ممن ذاقوا العذاب بداخله - سلخانة كبيرة ليس فقط للمصريين المعارضين بل أيضا مكانا للتعذيب بالوكالة لصالح المخابرات الأمريكية في إطار حملتها المعروفة بالحرب علي الإرهاب وهو ما أوردته منظمات حقوقية دولية في حادثين شهيرين.

والقصة تعود إلي أول يناير من عام 2003، حيث عاش كاتب هذه السطور ومعه 13 ناشطا من الإخوان أقسي أيام الرعب والخوف والإهانة والإذلال في حياتنا، 13 يوما في مقر أمن الدولة بمدينة نصر مطلوب منك فيها أن تنسي أنك إنسان من الأساس، حيث تم القبض علينا في لقاء تنظيمي لقيادات العمل الطلابي في جامعات مصر لمناقشة التهديدات الأمريكية باحتلال العراق وما الدور الذي يمكن أن يقوم طلاب الإخوان للاحتجاج السلمي علي هذا العدوان المنتظر في هذا الوقت، فتم اقتحام اجتماعنا بشكل أشبه بأفلام العصابات والكاو بوي الأمريكية، حيث طلب منا أن ننبطح أرضا ثم قيدونا من الخلف، ثم تم توجيهنا إلي نيابة أمن الدولة بتهمة الانتماء لجماعة علي خلاف القانون (الإخوان المسلمين ) وقررت النيابة حبسنا 15 يوماً حبساً احتياطياً علي ذمة التحقيقات بسجن مزرعة طرة.

وفي صباح 2003/1/14 تم توجيهنا من جديد للنيابة لتأمر باستمرار حبسنا 15 يوما جديدا، وصعدنا لسيارة الترحيلات التي أخذتنا لمنطقة سجون طرة إلا أنها توجهت لسجن آخر داخل المنطقة وهو سجن الاستقبال، وقال لنا الضابط المسئول عن ترحيلنا: إننا سنضطر لاحتجازكم بهذا السجن الجديد ليلة واحدة فقط نظرا لوجود تفتيش علي سجن مزرعة طره...ولم أتعجب فأنا لا أعرف ما هو المنتظر !!

ودخلنا السجن الجديد الذي من المفترض أن نقضي به ليلة واحدة، وفي حوالي الساعة الثانية عشرة بعد منتصف الليل دخل علينا مأمور سجن الاستقبال الزنزانة وطالبنا بالاستعداد للخروج ، فسألناه هل سنعود لمحبسنا الأساسي

فرد قائلا: لا أنتم ذاهبون لمشوار بسيط ساعة وسوف تعودون هنا من جديد ولكن كل واحد منكم يأخذ شئيا ليدفئ به رقبته من البرد ، ولأني لم أكن أفهم شئيا ولم يكن الجو باردا لهذه الدرجة فخرجت من الزنزانة بدون أن أضع شئيا علي رقبتي ، ففاجأني مأمور السجن قائلا: «يا ابني خذ شيئا نظيفا عصب به عينيك بدل ما يعصبوا عينيك بحاجة وسخة».. فتعجبت..!! أعصب عيني....!!! لماذا؟ إلي أين سنذهب؟ وكانت هذه العملية معروفة بأننا «مسحوبين» وهذا السجن مشهور عنه هذا الأجراء غير القانوني حيث يتم نقل السجين من محبسه الأساسي ليسحب من هذا السجن لمقر التعذيب ويظل مدونا في الدفاتر الرسمية أنه مسجونا في محبسه الأصلي. عندما خرجنا لصالة السجن الرئيسية بصحبة عساكر من السجن فوجئنا بأصوات غليظة تطالبنا بعدم التحدث مطلقا وبترك أي متعلقات لنا في السجن ، فقلت لصاحب الصوت الغليظ: ليس معي غير المصحف وسبحة

فرد علي قائلا: لا يا روح أمك أنت مش محتاج لهم في حاجة ، ثم استلمني صاحب الصوت الغليظ وقيد يدي من الخلف بقيد حديدي

وأركبني سيارة لم أكن أعلم ما هو شكلها لأنني معصوب العينين، وطالبني بالجلوس، فجلست في مكان وقوفي علي أرض السيارة ظنا مني أنها سيارة ترحيلات، ففوجئت بصفعة شديدة في وجهي ( ضربة ملاكم ) قائلا: أنت مش شايف الكرسي يا ابن. ..... فقلت سرا بالتأكيد: كيف أري و أنا معصب العينين وكنت خائفاً جداً، وانطلقت بنا السيارة التي علي ما يبدو كانت أتوبيسا كبيرا وذلك بعدما وضعوا رءوسنا تحت الكراسي وغطونا ببطاطين ،وفجأة وقف الأتوبيس ثم انحدر انحداراً شديدا في مكان يبدو أنه تحت الأرض ثم أنزلونا من السيارة بكل عنف وهم يوجهون لنا أقذر الشتائم ثم قاموا بصفنا متجاورين.

ثم جاءنا رجل بصوت جهوري وغليظ وعرفته من صوته أنه الباشا الكبير يستقبلنا قائلا: أهلا بكم أحب أن أعرفكم أين أنتم. .إنتو هنا في جوانتانامو مصر مضيفا: إحنا هنا عذبنا اعتي عتاة القاعدة. .انتم هنا عشان تعرفوا انتو مين بالضبط يا ولاد الكلب. .فاكرين نفسكم جماعة بحق وحقيقي. .انتو هنا كلاب»، وهذا- كما هو واضح - اعتراف رسمي من أحد ضباط الجهاز بعمليات التعذيب بالوكالة.

ثم أضاف: أنتم هنا مش بني آدمين انتم هنا أرقام ويا ويله اللي اسأله هو مين ويقولي اسمه.

وعليه كان يجب أن أنسي اسمي وأتذكر فقط أني لست سوي النزيل «25»، وإذا سألني أحد أنت مين لابد وأن أقول له أنا 25 يا فندم، ومن ينسي ويقول اسمه الحقيقي تناله وصلة من الضرب المبرح لنسيانه اسمه الكودي بمقر التعذيب

ثم تمت مطالبتنا بخلع أحذيتنا وجواربنا لنظل حفاة طوال فترة إقامتنا بهذا المكان التي وصلت لـ 13 يوماً، وفي حفل الاستقبال بالجهاز وجهوا رءوسنا للحائط وظللنا واقفين علي أقدامنا حفاة علي أرض من السيراميك لمدة زادت عن الـ14 ساعة ومن يقع علي الأرض يتم إعادته واقفا بعد أن يتم سحله.

وبعد مرور الساعات الأربعة عشر أدخلونا زنازين انفرادية لا تزيد مساحتها علي مساحة القبر متر أو مترين في متر ونصف ليس بها سوي مصطبة أسمنتية وحمام بلدي وحنفية مياه، وبعد أن دخلت الزنزانة وأغلق الباب اجتهدت حتي نزعت العصابة من علي عيني ظنا مني أنني سأخلعها أثناء وجودي بالزنزانة، وفجأة فُتح الباب.... شاهدته وشاهدني. ..يبدو أنه أحد حراس المكان شخص ضخم الجثة شديد البأس، وواجهني بعدة لكمات شديدة في وجهي وهو يسبني ويسألني: «مين اللي قالك تشيل الغماية».

ومن ساعتها لم ترفع تلك العصابة من علي عيني مدة الـ 13 يوماً حتي أني لو شعرت أنها ستسقط أثناء التحقيق كنت أطلب من المحقق أن يربطها جيدا فهو يخاف أن أراه وأعرفه و أنا أيضا أخاف أن ينالني لكمات جديدة بسببها.

الزنزانة التي احتوتني طيلة الـ 13 يوماً قضيت فيها وقتي أنام وأصلي أستعمل الحمام وأنا مقيد اليدين من الخلف إلا فقط وقت الطعام يغير الحرس الكلابشات للأمام

وكان مطلوبا مني أنا أظل علي هذه المصطبة الأسمنتية طيلة الوقت حتي الصلاة كنت أصليها عليها لعدم طهارة الأرض، وظللت طوال الفترة بدون غطاء رغم كوننا في شهر يناير وهو من شهور الشتاء شديدة البرودة وكانت لنا ثلاث وجبات في اليوم

الإفطار: ويشمل رغيف عيش واحد عليه قطعة جبنة صغيرة جدا وقطعة حلاوة أصغر أو خمس إلي عشر حبات من الفول أوقطعة صغيرة من المربي، وهي نفسها وجبة العشاء

أما وجبة الغداء فكانت رغيف عيش واحد عليه كمية بسيطة جدا من الأرز وقطعة صغيرة من اللحم أو الدجاج.

وكان يمر علينا طبيب يوميا في الصباح والمساء ليداوي أي جراح تظهر ويعطينا أقراص دواء يطالبنا بابتلاعها وكنت ألقيها بعين الحمام فور خروجه

وكان يمر كل ساعتين أو ثلاث أحد الحرس وكنت مطالبا أول ما أشعر بفتحه الباب أن أقف سريعاً وإذا تأخرت لحظة أو ثانية واحدة في الوقوف ينالني وجبة دسمة من الضرب والسباب القذر، النوم في هذه الزنزانة كان مستحيلا أولا لأن معظم التحقيقات كانت تبدأ في منتصف الليل حتي الفجر، وأيضا لأن طوال الليل الحراس يتناولون الحشيش ويسبون بعضهم البعض بأقذر الشتائم بصوت عال ومزعج للغاية.

في أول ليلة دخلت فيها للمحقق وهو ضابط أمن دولة بالطبع كنت مقيدا من الخلف ومعصب العينين وحافي القدمين، صرخ الضابط المحقق في الحرس وقال له: يا حمار لما يدخل هنا التحقيق قيده أمامي

وفي البداية تعامل معي المحقق بأسلوب مهذب قائلا: إحنا متأسفين يا عبدالمنعم علي الأسلوب ده بس ده شغلنا وده نظام المكان، ثم قال :«إنت واضح إنك ولد محترم وابن ناس وملكش في البهدلة» فأكيد حتساعدني ولن تكذب عليً، وأنا لا أتكلم أستمع فقط لثرثرته ومحاولته التأثير عليً لأتحدث ، وفجأة سكت المحقق. ..ثم جاء صوت صراخ من خارج الغرفة. ...رجل يصرخ بشدة من التعذيب ويقول: «خلاص حتكلم. .حقول كل حاجة. ..ويزداد صراخه».

ثم تحدث المحقق من جديد وقال لي: اجلس إنت تعبان، بالفعل جلست علي الأرض،ثم تحدث مرة أخري عارف ده صوت مين يا عبدالمنعم! - (وكنت صامتاً لا أتحدث لأني كنت خائفاً للغاية- لكنه أضاف «ده صاحب البيت اللي اعتقلناكوا منه أصله بيكدب ومش عايز يتكلم».

فشعرت أنه يخيفني ويهددني لأتحدث بكل ما عندي من معلومات عن الإخوان، وفجأة فُتح الباب ودخل الرجل ذو الصوت الجهوري الباشا الكبير الذي استقبلنا وصرخ في وجه المحقق قائلا: «إيه يا فندي ده أنت مقعده ناقص تعزمه علي شاي... - واخد بالك من شاي دي - ثم وجه لي شتائم قذرة ثم قال له: «قوم علقه أحسن» في إشارة لبدء التعذيب ،فرد المحقق عليه: «معلش يا باشا عبدالمنعم ده ولد غلبان وطيب وحيتكلم وحيقول كل اللي عنده».

فشعرت وقتها أن هذا سيناريو معد لمحاولة إرهابي والتأثير عليً نفسيا ، ودارت التحقيقات معي لمدة ثمانية أيام متواصلة مرتين خلال اليوم، يسألني فيها عن كل شيء أقوم بعمله في حياتي ويواجهني بكل ما قمت بعمله أثناء الجامعة ( وكانت معلومات دقيقة ) وعندما أنفي الكلام أو أرفض الحديث يتم ضربي من خلال الحرس الموجود بشكل مبرح من ضرب وصفع وركل وسباب بالطبع، وكان هذا بشكل يومي خلال فترة التحقيق.

وانتهي التحقيق معيَ بعد ثمانية أيام وظللت الخمسة أيام المتبقية لا أخرج من الزنزانة لزيادة الضغط النفسي، ولكن كان يصلني أصوات صراخ زملائي أثناء ضربهم والاعتداء عليهم كما كان يصلهم صوت صراخي.

وانتهت التحقيقات مع المجموعة كلها وأخرجونا من الزنازين في منتصف الليل وأعطونا الأحذية الخاصة بنا وصعدنا لسيارة يبدو أنها نفس الأتوبيس الذي أتي بنا لكنهم في العودة وضعوا رؤوسنا تحت الكراسي ثم غطونا بالبطاطين مجدداً.

مرت هذه الأيام.. لكن أقسي ما أتذكره منها هو هذا الرعب الذي صاحبنا حتي خرجنا من هذا السجن السري الذي يتعرض فيه المئات من النشطاء للتعذيب بجميع الأشكال، وفي الوقت نفسه لم أكن في هذا المكان ولمدة 13 يوما سوي رقم.. «أنا 25 يا فندم».. ذلك الرعب الذي أنساني أنني إنسان.

والآن قد يسخر مني الأصدقاء حينما يباغتني شخص فجأة في الطريق فأشهق شهقة الخوف، لكنها صارت عادة لي لا أعرف التخلص منها، منذ ذلك الوقت الذي كنت في القبر المسمي بالزنزانة عندما أسمع صوت الباب يفتح كان مطلوبا مني أن أفزع من مكاني واقفا وإلا تعرضت للضرب المبرح حتي لو من العامل الذي يأتي لمسح الزنزانة.

وما حدث مع كاتب هذه السطور، يمكن أن أصفه بأنه أقل بكثير مما حدث مع قضايا إخوانية أخري مات فيها علي سبيل المثال مسعد قطب في مقر أمن الدولة بالجيزة ومات فيها أكرم زهيري بعد تجاهل إصابته بكسر في الحوض وارتفاع نسبة السكر بجسمه وربما ما يحدث مع الإخوان أيضا أقل بكثير مما يحدث مع أعضاء الجماعات الإسلامية والمتهمين في قضايا السلفية الجهادية ، لكن في كل الأحوال هذه بعض من سطور الرعب في سجلات أمن الدولة.. سجلات «الجماعة التانيين»!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الاثنين، 6 سبتمبر 2010

ابتسم يا أخي أنت في أمن الدولة

الجماعة التانيين.. أمن الدولة.. جماعة تأمين كرسي الرئيس ومكافحة نشاط معارضيه

«
ابتسم يا أخي أنت في أمن الدولة»




شعار جديد لأهم جهاز في وزارة الداخلية ربما لن تسمع به إلا في مستشفي المجانين حيث يردد الشعار أحد المرضي المحولين من أمن الدولة بعد تعرضه لوصلة تعذيب وحشية أفقدته عقله وأحدثت له اضطرابات عصبية ونفسية مضاعفة فقرر أن يهرب من واقعه ويتخيل واقعاً وهمياً لمعاملة أمن الدولة معه كالذي يراه في أوروبا والدول المتقدمة أو في أفلام ومسلسلات التليفزيون المصري.. وعليه ربما يكون المشهد هكذا.

يأتي رجال أمن الدولة في زيارة ليلية حتي لا ينزعج الجيران ويدخل من بابا العمارة فيعتذر الضابط للبواب لأن تزييقة فتحة الباب أيقظته فيقوله أسفين جدا ارتاح ونام كما كنت ويصعد الضابط لشقة المتهم بمنتهي الهدوء عشان بقية العمارة لا تستيقظ ويخبط علي الباب ويظهر للمتهم إذن النيابة - التي رفضت أن تصدر هذا الإذن إلا بالتحقيق الموسع في محضر تحريات أمن الدولة - ويطلب منه بكل ود أن يأتي معهم في استضافة صغيرة لمقر الجهاز القابع في مدينة نصر المزود بكل الأدوات التكنولوجية الحديثة ومزود بمقهي عالمي يقدم أفخر أنواع القهوة والمشروبات الساخنة «جدا جدا»،

وقبل أن يبدأ التحقيق يسألك الضابط تحب تشرب شاي يا أخ فضل ، فتضع قدما علي قدم في وجه الضابط وتقوله أيوة طبعا ويكون فتلة والسكر برة، ويستكمل الضابط تحقيقه مع الرجل في أمان وبدون أي توترات عصبية أو تداخلات «عبدالمعطي» الكهربائية أو «القفيانية» ويستأذن الضابط من المتهم أن يتوجه لرئيسه في العمل الذي يسأله بدوره إيه الأخبار.. فيرد الضابط الصغير كله تمام يا فندم.. ويسأل الباشا الكبير: أهم حاجة الناس قدمت لهم واجب تحية الزيارة.. فيرد عليه طبعا يا فندم أنت عارف الخدمة عندنا ولا الفنادق الكبيرة، فيضيق الباشا ويقوله حرام عليك بلاش مبالغة إحنا الخدمة عندنا مميزة بس.



هذه صورة «يوتوبية»- مقبلة من عصر المدينة الفاضلة الخيالية - ومن الصعب - قل من المستحيل- أن يصدق واحد في مصر أن ضابط أمن الدولة يكون بهذه الصورة فوق المثالية، خاصة وأن ضباط أمن الدولة قد «تفاعلوا» مع مواطنين كثيرين وتحديدا أولئك الذين ينتمون إلي «جماعة المعارضة».. وحينها يصبح رجال أمن الدولة هم «الجماعة التانيين».


منذ سنوات بعيدة وتحمل المعارضة في كل فترة من الزمن اسما مغايرا، فكانت في السابق الحزب الوطني الذي أسسه طبعا مصطفي كامل ثم حزب الوفد بزعامة سعد زغلول ومن سبقهم في تاريخ مصر من زعامات وطنية كالشيخ محمد عبده وعبدالله النديم ورشيد رضا إلي أن أصبحت «جماعة» الإخوان الآن هي الأكثر شعبية وتنظيما الآن، أما عن الجماعة التانيين التي لا تكف عن مواجهة المعارضة فكانت «جماعة» أمن الدولة.

والأمر لا يقف فحسب عند مواجهة الجماعة، وإنما دور جماعة أمن الدولة توغل وتوحش فأصبح يتدخل في كل صغيرة وكبيرة في البلد والأكثر عنفا في مواجهة النشطاء والسياسيين والأكثر توغلا في كل مسارات الحياة الاجتماعية والسياسية، فأمن الدولة الحاضر والهاجس الأول في تعيين عمداء ورؤساء الجامعات وفي اختيار المعيدين وحتي في موضوعات البحث العلمي ومناقشات الدرجات العلمية العليا مثل الدكتوراه والماجستير

و«جماعة» أمن الدولة هي الحاضر الأول والمشارك الأكثر فعالية في إعطاء أو منع التصاريح عن الجمعيات الخيرية ومؤسسات المجتمع المدني وإنشاء الشركات الجديدة وأيضا في اختيار الموظفين في الهيئات العليا، إذ إن تقرير الأمن ورقة أساسية في الوظائف الكبري في مصر بل بانحدار الحياة السياسية أصبح تقرير الأمن يحدد لابنك في المدرسة من سيكون المدرس الذي يلقنه ويعلمه دروسه، فانهيار التعليم في مصر ليس ببعيد عن هذا الجهاز الذي أصبح كل العاملين فيه من أصغرهم إلي أكبرهم شخصيات سيادية يخشي منها الجميع حتي زملاءهم من ضباط الشرطة الذين لا يعملون في هذا الجهاز.

وهكذا تحولت شهادة أو مذكرة تحريات جماعة أمن الدولة عن المواطن بمثابة شهادة أهم من كل أوراقه الرسمية التي تتقدم بها إلي أي جهة حكومية أو غير حكومية لتصبح جماعة أمن الدولة رغم تبعيتها إدارياً لوزارة الداخلية، غير أنها تتمتع بقدر من الخصوصية والسرية رغم أنه لا يوجد قانون خاص ينظم عملها ورغم أنها أقدم جهاز من نوعه في المنطقة العربية، وتغير اسم هذا الجهاز عبر الحقب التاريخية بداية من «القسم المخصوص» إلي «القلم السياسي» إلي «المباحث العامة» إلي «مباحث أمن الدولة»، حتي تغير اسمه إلي "قطاع مباحث أمن الدولة.. ثم «جهاز أمن الدولة»، والعجيب أنه رغم مرور الزمن واختلاف الحكومات من ملكية إلي جمهورية فإن جماعة أمن الدولة دوما وعلي طول الخط هي أقرب الجماعات إلي نظم الحكم مهما تغيرت، وأكبر دليل علي أهمية هذا الجهاز أن وزير الداخلية الحالي اللواء حبيب العادلي هو الرئيس السابق لجهاز أمن الدولة وهو الوزير الذي جلس أكبر فترة علي كرسي هذه الوزارة منذ الثورة، حيث عينه الرئيس مبارك خلفا لحسن الألفي في عام 1997 وتغيرت وزارات ورؤساء وزراء وهو باق مستقر في مكانه رغم كل حوادث الإرهاب والعنف التي حدثت في عهده إلا أن القيادة السياسية تثق فيه ثقة كبيرة ربما لأنه منح النخبة الحاكمة الشعور بالأمان الذي لم يستطع وزير من قبل أن يوفره للنظام الحاكم.

وتتمتع جماعة أمن الدولة بتنظيم قوي يشبه كثيرا تنظيم جماعة الإخوان المسلمين مع الفارق في الهدف والسلطة ، فجهاز أمن الدولة له تقسيمات إدارية وفنية ونوعية وفكرية ومقسم لشعب أساسية أولها وربما أهمها شعبة «مكافحة النشاط الديني» ويندرج تحتها فروع عدة مثل الإخوان المسلمين والسلفيين والجماعة الإسلامية والبهائيين والقرآنيين والشيعة، والأقباط أيضا تابعون لنفس هذه الشعبة ولعل جنازة وكيل جهاز أمن الدولة الذي كان مسئول مكافحة النشاط الديني كشفت عن طبيعة وخطورة عمله، حيث حضر الجنازة والعزاء قيادات الإخوان علي رأسهم مرشد الجماعة الدكتور محمد بديع وكذلك كل قيادات الجماعة الإسلامية علي رأسهم الدكتور ناجح إبراهيم وأيضا حضور قيادات الكنيسة المصرية علي رأسهم الأنبا أرميا سكرتير البابا شنودة والأنبا يؤانس سكرتيره الشخصي والأنبا بطرس أحد أعضاء سكرتارية البابا ليقدموا واجب العزاء فيه في نفس يوم وصولهم من أمريكا في رحلة علاج البابا الأخيرة، وهذا الحضور مختلف الأطياف يكشف حجم قوة وسلطة هذا الجهاز.

كما أن هناك شعبا أخري بداخل جهاز «جماعة» أمن الدولة كلها معروفة بمكافحة النشاط السياسي مثل مجموعة متابعة الأحزاب ومتابعة النشاط الشيوعي ومتابعة النشاط الإعلامي والفكري والمختصة بالصحفيين والمفكرين وأصحاب الرأي ودور نشر الكتب، ويضاف إلي ذلك مجموعة مكافحة نشاط النقابات، وكل هذه الشعب بها عدد من الضباط المتابعين للملف باعتبارهم متخصصين في مجالاتهم.

وإذا كان لا أحد يستطيع أن ينكر حق جهاز الأمن في أن يكون مستيقظا وواعيا بكل ما يحدث في البلاد حفاظا علي الاستقرار، لكن أن يتحول هذا الجهاز من خدمة المواطن إلي جهاز مكافحة النشاط السياسي وكأن هذا النشاط مخدرات ويجب توقيف حركته فهو ما يستحق الوقوف عنده، لمعرفة كيف خرج هذا الجهاز عن دوره وهدفه الأساسي من جهاز خاص للمحافظة علي الأمن إلي جهاز بطش وتعذيب وعصا غليظة لمواجهة معارضي النظام.

ولعل ما كشف عنه حزب الكرامة - تحت التأسيس - برئاسة النائب حمدين صباحي -قبل عدة أشهر- عن وجود وثائق تثبت تجسس «جماعة» أمن الدولة علي عدد من المرشحين المحتملين لرئاسة الجمهورية، وعلي رأسهم حمدين نفسه والدكتور أيمن نور مؤسس حزب الغد والدكتور محمد البرادعي والسيد عمرو موسي.، يكشف أي دور يلعبه الجهاز في الشأن السياسي المصري، لكن بكل تأكيد الدور لا يقف عند حدود المتابعة والمراقبة وكتابة التقارير فحسب.

وإذا كان البعض قد يشكك في الكلام المرسل أو المنقول عن مصادر غير محددة، فإن ما سنورده في السطور القادمة هي تجربة حية لكاتب هذه السطور عندما تعاملت معه أجهزة «الجماعة التانيين» في مقرها الرئيسي بمدينة نصر الذي أصبح - في نظر كثيرين ممن ذاقوا العذاب بداخله - سلخانة كبيرة ليس فقط للمصريين المعارضين بل أيضا مكانا للتعذيب بالوكالة لصالح المخابرات الأمريكية في إطار حملتها المعروفة بالحرب علي الإرهاب وهو ما أوردته منظمات حقوقية دولية في حادثين شهيرين.

والقصة تعود إلي أول يناير من عام 2003، حيث عاش كاتب هذه السطور ومعه 13 ناشطا من الإخوان أقسي أيام الرعب والخوف والإهانة والإذلال في حياتنا، 13 يوما في مقر أمن الدولة بمدينة نصر مطلوب منك فيها أن تنسي أنك إنسان من الأساس، حيث تم القبض علينا في لقاء تنظيمي لقيادات العمل الطلابي في جامعات مصر لمناقشة التهديدات الأمريكية باحتلال العراق وما الدور الذي يمكن أن يقوم طلاب الإخوان للاحتجاج السلمي علي هذا العدوان المنتظر في هذا الوقت، فتم اقتحام اجتماعنا بشكل أشبه بأفلام العصابات والكاو بوي الأمريكية، حيث طلب منا أن ننبطح أرضا ثم قيدونا من الخلف، ثم تم توجيهنا إلي نيابة أمن الدولة بتهمة الانتماء لجماعة علي خلاف القانون (الإخوان المسلمين ) وقررت النيابة حبسنا 15 يوماً حبساً احتياطياً علي ذمة التحقيقات بسجن مزرعة طرة.

وفي صباح 2003/1/14 تم توجيهنا من جديد للنيابة لتأمر باستمرار حبسنا 15 يوما جديدا، وصعدنا لسيارة الترحيلات التي أخذتنا لمنطقة سجون طرة إلا أنها توجهت لسجن آخر داخل المنطقة وهو سجن الاستقبال، وقال لنا الضابط المسئول عن ترحيلنا: إننا سنضطر لاحتجازكم بهذا السجن الجديد ليلة واحدة فقط نظرا لوجود تفتيش علي سجن مزرعة طره...ولم أتعجب فأنا لا أعرف ما هو المنتظر !!

ودخلنا السجن الجديد الذي من المفترض أن نقضي به ليلة واحدة، وفي حوالي الساعة الثانية عشرة بعد منتصف الليل دخل علينا مأمور سجن الاستقبال الزنزانة وطالبنا بالاستعداد للخروج ، فسألناه هل سنعود لمحبسنا الأساسي

فرد قائلا: لا أنتم ذاهبون لمشوار بسيط ساعة وسوف تعودون هنا من جديد ولكن كل واحد منكم يأخذ شئيا ليدفئ به رقبته من البرد ، ولأني لم أكن أفهم شئيا ولم يكن الجو باردا لهذه الدرجة فخرجت من الزنزانة بدون أن أضع شئيا علي رقبتي ، ففاجأني مأمور السجن قائلا: «يا ابني خذ شيئا نظيفا عصب به عينيك بدل ما يعصبوا عينيك بحاجة وسخة».. فتعجبت..!! أعصب عيني....!!! لماذا؟ إلي أين سنذهب؟ وكانت هذه العملية معروفة بأننا «مسحوبين» وهذا السجن مشهور عنه هذا الأجراء غير القانوني حيث يتم نقل السجين من محبسه الأساسي ليسحب من هذا السجن لمقر التعذيب ويظل مدونا في الدفاتر الرسمية أنه مسجونا في محبسه الأصلي. عندما خرجنا لصالة السجن الرئيسية بصحبة عساكر من السجن فوجئنا بأصوات غليظة تطالبنا بعدم التحدث مطلقا وبترك أي متعلقات لنا في السجن ، فقلت لصاحب الصوت الغليظ: ليس معي غير المصحف وسبحة

فرد علي قائلا: لا يا روح أمك أنت مش محتاج لهم في حاجة ، ثم استلمني صاحب الصوت الغليظ وقيد يدي من الخلف بقيد حديدي

وأركبني سيارة لم أكن أعلم ما هو شكلها لأنني معصوب العينين، وطالبني بالجلوس، فجلست في مكان وقوفي علي أرض السيارة ظنا مني أنها سيارة ترحيلات، ففوجئت بصفعة شديدة في وجهي ( ضربة ملاكم ) قائلا: أنت مش شايف الكرسي يا ابن. ..... فقلت سرا بالتأكيد: كيف أري و أنا معصب العينين وكنت خائفاً جداً، وانطلقت بنا السيارة التي علي ما يبدو كانت أتوبيسا كبيرا وذلك بعدما وضعوا رءوسنا تحت الكراسي وغطونا ببطاطين ،وفجأة وقف الأتوبيس ثم انحدر انحداراً شديدا في مكان يبدو أنه تحت الأرض ثم أنزلونا من السيارة بكل عنف وهم يوجهون لنا أقذر الشتائم ثم قاموا بصفنا متجاورين.

ثم جاءنا رجل بصوت جهوري وغليظ وعرفته من صوته أنه الباشا الكبير يستقبلنا قائلا: أهلا بكم أحب أن أعرفكم أين أنتم. .إنتو هنا في جوانتانامو مصر مضيفا: إحنا هنا عذبنا اعتي عتاة القاعدة. .انتم هنا عشان تعرفوا انتو مين بالضبط يا ولاد الكلب. .فاكرين نفسكم جماعة بحق وحقيقي. .انتو هنا كلاب»، وهذا- كما هو واضح - اعتراف رسمي من أحد ضباط الجهاز بعمليات التعذيب بالوكالة.

ثم أضاف: أنتم هنا مش بني آدمين انتم هنا أرقام ويا ويله اللي اسأله هو مين ويقولي اسمه.

وعليه كان يجب أن أنسي اسمي وأتذكر فقط أني لست سوي النزيل «25»، وإذا سألني أحد أنت مين لابد وأن أقول له أنا 25 يا فندم، ومن ينسي ويقول اسمه الحقيقي تناله وصلة من الضرب المبرح لنسيانه اسمه الكودي بمقر التعذيب

ثم تمت مطالبتنا بخلع أحذيتنا وجواربنا لنظل حفاة طوال فترة إقامتنا بهذا المكان التي وصلت لـ 13 يوماً، وفي حفل الاستقبال بالجهاز وجهوا رءوسنا للحائط وظللنا واقفين علي أقدامنا حفاة علي أرض من السيراميك لمدة زادت عن الـ14 ساعة ومن يقع علي الأرض يتم إعادته واقفا بعد أن يتم سحله.

وبعد مرور الساعات الأربعة عشر أدخلونا زنازين انفرادية لا تزيد مساحتها علي مساحة القبر متر أو مترين في متر ونصف ليس بها سوي مصطبة أسمنتية وحمام بلدي وحنفية مياه، وبعد أن دخلت الزنزانة وأغلق الباب اجتهدت حتي نزعت العصابة من علي عيني ظنا مني أنني سأخلعها أثناء وجودي بالزنزانة، وفجأة فُتح الباب.... شاهدته وشاهدني. ..يبدو أنه أحد حراس المكان شخص ضخم الجثة شديد البأس، وواجهني بعدة لكمات شديدة في وجهي وهو يسبني ويسألني: «مين اللي قالك تشيل الغماية».

ومن ساعتها لم ترفع تلك العصابة من علي عيني مدة الـ 13 يوماً حتي أني لو شعرت أنها ستسقط أثناء التحقيق كنت أطلب من المحقق أن يربطها جيدا فهو يخاف أن أراه وأعرفه و أنا أيضا أخاف أن ينالني لكمات جديدة بسببها.

الزنزانة التي احتوتني طيلة الـ 13 يوماً قضيت فيها وقتي أنام وأصلي أستعمل الحمام وأنا مقيد اليدين من الخلف إلا فقط وقت الطعام يغير الحرس الكلابشات للأمام

وكان مطلوبا مني أنا أظل علي هذه المصطبة الأسمنتية طيلة الوقت حتي الصلاة كنت أصليها عليها لعدم طهارة الأرض، وظللت طوال الفترة بدون غطاء رغم كوننا في شهر يناير وهو من شهور الشتاء شديدة البرودة وكانت لنا ثلاث وجبات في اليوم

الإفطار: ويشمل رغيف عيش واحد عليه قطعة جبنة صغيرة جدا وقطعة حلاوة أصغر أو خمس إلي عشر حبات من الفول أوقطعة صغيرة من المربي، وهي نفسها وجبة العشاء

أما وجبة الغداء فكانت رغيف عيش واحد عليه كمية بسيطة جدا من الأرز وقطعة صغيرة من اللحم أو الدجاج.

وكان يمر علينا طبيب يوميا في الصباح والمساء ليداوي أي جراح تظهر ويعطينا أقراص دواء يطالبنا بابتلاعها وكنت ألقيها بعين الحمام فور خروجه

وكان يمر كل ساعتين أو ثلاث أحد الحرس وكنت مطالبا أول ما أشعر بفتحه الباب أن أقف سريعاً وإذا تأخرت لحظة أو ثانية واحدة في الوقوف ينالني وجبة دسمة من الضرب والسباب القذر، النوم في هذه الزنزانة كان مستحيلا أولا لأن معظم التحقيقات كانت تبدأ في منتصف الليل حتي الفجر، وأيضا لأن طوال الليل الحراس يتناولون الحشيش ويسبون بعضهم البعض بأقذر الشتائم بصوت عال ومزعج للغاية.

في أول ليلة دخلت فيها للمحقق وهو ضابط أمن دولة بالطبع كنت مقيدا من الخلف ومعصب العينين وحافي القدمين، صرخ الضابط المحقق في الحرس وقال له: يا حمار لما يدخل هنا التحقيق قيده أمامي

وفي البداية تعامل معي المحقق بأسلوب مهذب قائلا: إحنا متأسفين يا عبدالمنعم علي الأسلوب ده بس ده شغلنا وده نظام المكان، ثم قال :«إنت واضح إنك ولد محترم وابن ناس وملكش في البهدلة» فأكيد حتساعدني ولن تكذب عليً، وأنا لا أتكلم أستمع فقط لثرثرته ومحاولته التأثير عليً لأتحدث ، وفجأة سكت المحقق. ..ثم جاء صوت صراخ من خارج الغرفة. ...رجل يصرخ بشدة من التعذيب ويقول: «خلاص حتكلم. .حقول كل حاجة. ..ويزداد صراخه».

ثم تحدث المحقق من جديد وقال لي: اجلس إنت تعبان، بالفعل جلست علي الأرض،ثم تحدث مرة أخري عارف ده صوت مين يا عبدالمنعم! - (وكنت صامتاً لا أتحدث لأني كنت خائفاً للغاية- لكنه أضاف «ده صاحب البيت اللي اعتقلناكوا منه أصله بيكدب ومش عايز يتكلم».

فشعرت أنه يخيفني ويهددني لأتحدث بكل ما عندي من معلومات عن الإخوان، وفجأة فُتح الباب ودخل الرجل ذو الصوت الجهوري الباشا الكبير الذي استقبلنا وصرخ في وجه المحقق قائلا: «إيه يا فندي ده أنت مقعده ناقص تعزمه علي شاي... - واخد بالك من شاي دي - ثم وجه لي شتائم قذرة ثم قال له: «قوم علقه أحسن» في إشارة لبدء التعذيب ،فرد المحقق عليه: «معلش يا باشا عبدالمنعم ده ولد غلبان وطيب وحيتكلم وحيقول كل اللي عنده».

فشعرت وقتها أن هذا سيناريو معد لمحاولة إرهابي والتأثير عليً نفسيا ، ودارت التحقيقات معي لمدة ثمانية أيام متواصلة مرتين خلال اليوم، يسألني فيها عن كل شيء أقوم بعمله في حياتي ويواجهني بكل ما قمت بعمله أثناء الجامعة ( وكانت معلومات دقيقة ) وعندما أنفي الكلام أو أرفض الحديث يتم ضربي من خلال الحرس الموجود بشكل مبرح من ضرب وصفع وركل وسباب بالطبع، وكان هذا بشكل يومي خلال فترة التحقيق.

وانتهي التحقيق معيَ بعد ثمانية أيام وظللت الخمسة أيام المتبقية لا أخرج من الزنزانة لزيادة الضغط النفسي، ولكن كان يصلني أصوات صراخ زملائي أثناء ضربهم والاعتداء عليهم كما كان يصلهم صوت صراخي.

وانتهت التحقيقات مع المجموعة كلها وأخرجونا من الزنازين في منتصف الليل وأعطونا الأحذية الخاصة بنا وصعدنا لسيارة يبدو أنها نفس الأتوبيس الذي أتي بنا لكنهم في العودة وضعوا رؤوسنا تحت الكراسي ثم غطونا بالبطاطين مجدداً.

مرت هذه الأيام.. لكن أقسي ما أتذكره منها هو هذا الرعب الذي صاحبنا حتي خرجنا من هذا السجن السري الذي يتعرض فيه المئات من النشطاء للتعذيب بجميع الأشكال، وفي الوقت نفسه لم أكن في هذا المكان ولمدة 13 يوما سوي رقم.. «أنا 25 يا فندم».. ذلك الرعب الذي أنساني أنني إنسان.

والآن قد يسخر مني الأصدقاء حينما يباغتني شخص فجأة في الطريق فأشهق شهقة الخوف، لكنها صارت عادة لي لا أعرف التخلص منها، منذ ذلك الوقت الذي كنت في القبر المسمي بالزنزانة عندما أسمع صوت الباب يفتح كان مطلوبا مني أن أفزع من مكاني واقفا وإلا تعرضت للضرب المبرح حتي لو من العامل الذي يأتي لمسح الزنزانة.

وما حدث مع كاتب هذه السطور، يمكن أن أصفه بأنه أقل بكثير مما حدث مع قضايا إخوانية أخري مات فيها علي سبيل المثال مسعد قطب في مقر أمن الدولة بالجيزة ومات فيها أكرم زهيري بعد تجاهل إصابته بكسر في الحوض وارتفاع نسبة السكر بجسمه وربما ما يحدث مع الإخوان أيضا أقل بكثير مما يحدث مع أعضاء الجماعات الإسلامية والمتهمين في قضايا السلفية الجهادية ، لكن في كل الأحوال هذه بعض من سطور الرعب في سجلات أمن الدولة.. سجلات «الجماعة التانيين»!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق