لقاء مع حارق القرآن على قناة Quran Burning Issue: Terry Jones on CNN

| |




لماذا يكرهوننا؟ 

 

فهمى هويدى

أظن أن من حقنا الآن أن نسأل: لماذا يكرهوننا فى الغرب؟ ولماذا هان امرنا حتى أصبح يتجرأ على ديننا ومقدساتنا كل من هب ودب من المتعصبين والكارهين؟

(1)
خلال الأسبوعين الأخيرين على الأقل كانت لوثة حرق المصاحف التى خرجت من إحدى كنائس ولاية فلوريدا عنوانا رئيسيا فى الصحف ونشرات الأخبار. وقبلها بأسابيع كان الجدل مثارا فى الولايات المتحدة حول فكرة «مركز قرطبة»، الذى قيل إنه مسجد يراد له أن يبنى بالقرب من موقع البرجين اللذين تم تفجيرهما فى هجمات 11 سبتمبر.

وهو ما صور بحسبانه استفزازا لمشاعر الأمريكيين وتحديا لهم. الأمر الذى قسم الرأى العام بين مؤيد ومعارض. أدرى أن الرئيس أوباما أدان اللوثة وأن وزيرة الخارجية تبنت نفس الموقف، الذى عبر عنه آخرون من رموز النظام والقيادات الدينية. لكن ما حدث أن أصداء الحملة ترددت فى مختلف أنحاء الولايات المتحدة، وبدا أن الموج أعلا وأقوى من أن تصده تصريحات السياسيين. ومن ثم أحدث تسميم الأجواء مفعوله فى ثلاثة اتجاهات هى:

* إن خطاب المتطرفين والمتعصبين أصبح يربط بصورة مباشرة بين الإرهاب والإسلام، متخليا عن الحذر الذى لاح يوما ما فى الفصل بين الاثنين.

* إن مشاعر الغضب عبرت عن نفسها فى حوادث عدة تعرض لها المسلمون. فطعن أحد الشبان الأمريكيين بسكين سائق تاكسى مسلم مهاجر من بنجلاديش «على أحمد شريف» حين تعرف على هويته الدينية. ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية على لسان إبراهيم هوبر مسئول الإعلام فى مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية «كير» قوله إن مساجد المسلمين تعرضت هذا العام لاعتداءات عدة.

فقد فجر رجل قنبلة يدوية الصنع فى مركز إسلامى فى جاكسونفيل بولاية فلوريدا. وجرت محاولة إحراق مسجد فى أرلنجتون بولاية تكساس. ووجهت تهديدات أخرى لمسجد فى فريسنو بولاية كاليفورنيا. وشب حريق مشبوه قرب موقع يفترض أن يُبنى فيه مسجد بولاية تنييسى.

ــ قبل عشرة أيام أجرى استفتاء بين الأمريكيين تبين منه أن أكثر من 60٪ منهم يعارضون بناء مركز قرطبة فى موقعه الحالى و10٪ عارضوا مبدأ بناء المساجد فى أمريكا وعبر 50٪ من المستطلعين عن نظرتهم السلبية إلى الإسلام، فى حين قال 33٪ إن الإسلام يشجع على العنف ضد غير المسلمين. وهذه نسبة تعادل ضعف الذين أيدوا الفكرة ذاتها قبل 8 سنوات، الأمر الذى يدل على تنامى مؤشرات الربط بين الإسلام والعنف.

(2)
الموقف فى أوروبا لا يختلف كثيرا. فالتخويف من أسلمة القارة وتحولها إلى أورابيا (أوروبا العربية) يتردد حينا بعد حين، ليس فقط على ألسنة زعماء اليمين الذين يزداد مؤيدوهم فى أوروبا، ولكن أيضا على ألسنة بعض مسئولى الفاتيكان (لا تنس أن البابا الحالى هاجم الإسلام واعتبره ديانة تحض على العنف). إذ قبل أيام قليلة (السبت 4/9) خرجت مظاهرة فى باريس ضمت ممثلى 26 منظمة مطالبة بمقاومة «الخطر الإسلامى». ورفع بعض المشاركين فى التجمع الذى دعت إليه جمعية «الرد العلمانى» كتب عليها: لا للحجاب والنقاب. ولا نريد طالبان فى فرنسا. وظهر أحدهم حاملا علم فرنسا فى يد وزجاجة خمر فى اليد الأخرى. وقال للصحفيين إننا ضقنا ذرعا بهذه الديانة ولن نسمح للرجال بضرب النساء وتنشر العنف كأسلوب حياة. ومعروف أن فرنسا كانت سباقة إلى حظر الحجاب فى المدارس الحكومية، ومنع الظهور بالنقاب فى الأماكن العامة، مع فرض غرامات مالية على المخالفات. وهى الصرعة التى ترددت أصداؤها فى دول أوروبية أخرى بعد ذلك.

ليست بعيدة عن الأذهان قصة الرسوم الدنماركية التى أهانت النبى محمد عليه الصلاة والسلام. ودافع عنها رئيس الوزراء هناك. وبين أيدينا سجل طويل من التصريحات المعادية للإسلام والمنددة به التى ما برح يطلقها فى هولندا القيادى والنائب اليمينى جيرت فيلدر، الذى ازدادت شعبيته فى الانتخابات الأخيرة، وأصبح حزبه القوة السياسة الثالثة فى هولندا. وهو يتزعم الآن حملة لتوحيد جهود اليمين الأوروبى للمطالبة بإخلاء أوروبا من المسلمين. وفى النمسا حملة موازية تتبنى نفس الأطروحات.

يقودها حزب الحرية اليمينى. الذى فاز بـ17.5٪ من الأصوات فى انتخابات عام 2008. وكان من نتائج التعبئة المضادة أن ظهرت فى الأسواق لعبة على الإنترنت باسم «وداعا للمسجد»، يزيل فيها اللاعبون رسوما متحركة يهدمون بها مساجد ومآذن ويتخلصون من مؤذن ملتح يحث المسلمين على الصلاة. وقد حظرت الحكومة تلك اللعبة.

فى ألمانيا تتزايد مؤشرات الخوف من الإسلام والمسلمين، بعدما بينت الاستطلاعات التى أجراها معهد «ديماب» أن 70٪ من الألمان يستشعرون ذلك القلق. وقد جاء مقتل الباحثة المصرية مروة الشربينى فى العام الماضى على يد أحد العنصريين الألمان، ليلفت الانتباه إلى تفشى «الإسلاموفوبيا» فى المجتمع، وإلى دور الأحزاب اليمينية فى إذكاء المشاعر المعادية.

وبدرجة أو أخرى خيمت الأجواء ذاتها على سويسرا، التى قاد فيها الحزب اليمينى حملة لحظر مآذن المساجد، وأيدت الأغلبية هذا الموقف فى الاستفتاء الذى أجرى فى العام الماضى.

(3)
أوافق تماما على أن حملة العداء للمسلمين والإسلام يقودها نفر من المتطرفين المتعصبين وغلاة المحافظين، وأن فى العالم الغربى آخرين أكثر حصافة وتعقلا. لكن الحاصل أن صوت المتطرفين هو الأعلى بحيث مكنتهم ثورة الاتصال من تعبئة الرأى العام واستنفاره. ولذلك فإن شعبيتهم تتزايد، بدليل تزايد الأصوات التى يحصدونها فى الانتخابات البرلمانية عاما بعد عام.

أدرى أيضا أن ثمة اختلافا فى ملابسات ودوافع حملة العداء بين الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا. فالدوافع فى أمريكا سياسية بالدرجة الأولى. ونفوذ اللوبى الصهيونى وغلاة المحافظين لا ينكر هناك. ثم إن هناك رأيا قويا يربط بين اشتداد الحملة فى الوقت الراهن وبين انتخابات التجديد النصفى للكونجرس فى شهر نوفمبر القادم، التى يأمل الجمهوريون فى تحقيق فوز محسوس فيها على الديمقراطيين.

أما فى أوروبا فالدوافع اقتصادية فى الأغلب. ذلك أن الأزمة الاقتصادية انعشت عناصر اليمين وأثارت قلق قطاعات من الأوروبيين إزاء وجود المسلمين فى سوق العمل واستمرار هجراتهم عبر شواطئ البحر الأبيض المتوسط، وهو ما يشكل عبئا على اقتصاديات الدول الأوروبية ويرتب نفورا من المسلمين.

أيا كانت التباينات والاختلافات بين أوروبا وأمريكا فإنها لا تلغى حقيقة أن حملات التعبئة ضد الإسلام والمسلمين أحدثت أثرها فى تسميم أجواء علاقات الغربيين مع المسلمين، الأمر الذى يهدم ما قيل عن حوار الحضارات والتعايش والتسامح الذى بشر به نفر من المثقفين، بذات القدر فإن ذلك يفتح الأبواب لفكرة صدام الحضارات التى اطلقها المحلل السياسى الامريكى فرانسيس فوكوياما (عام 1989)، ولم تؤخذ على محمل الجد فى حينها، لكنها تبدو الآن احتمالا واردا، من الناحية النظرية على الأقل.

(4)
نحن بإزاء مشكلة حقيقية مرشحة للتصاعد، تكاد تكرر أجواء العداء للسامية التى خيمت على ألمانيا فى أواخر القرن التاسع عشر، ولئن كان العداء للسامية قد أصاب بضعة ملايين من اليهود آنذاك لا يكاد يتجاوز مجموعهم عدد أصابع اليدين، فإن لوثة استعداء المسلمين وإهانتهم تمس مليارا ونصف المليار مسلم، للدول الغربية مع أقطارهم مصالح جمة بالغة الحيوية.

وإذا كان العداء للسامية يمثل لحظة عابرة فى التاريخ، فإن العداء للإسلام له تاريخ طويل، يذهب به البعض إلى القرن السابع الميلادى «برنارد لويس» حيث نزلت رسالة الإسلام فى وجود المسيحية واليهودية. ويؤرخ له أكثر الباحثين بزمن الحروب الصليبية فى القرن الحادى عشر، التى عبئت لأجلها أوروبا ببغض الإسلام والمسلمين قبل شن الحملات العسكرية بدعوى تخليص بيت المقدس من شرورهم.

ورغم انتهاء تلك الحملات فى القرن الثالث عشر، إلا أن التعبئة الثقافية المضادة لم تتوقف، وظل مفعولها حاضرا فى تشويه الوعى الأوروبى، وكامنا فى ثنايا جميع مراجعه وموسوعاته. وهو ما نضح على كتابات أغلب المستشرقين وأطروحات الباحثين ومناهج التعليم.

وهو ما عبر عنه الدكتور محمود حمدى زقزوق فى كتابه «الإسلام فى تصورات الغرب» ـ الذى أصدره فى عام 1987 حين كان عميدا لكلية أصول الدين، حين قال إنه «من المعلوم أن الكتابات الغربية فى الإسلام ونبيه تترواح بين الجهل التام والمعروفة الموجهة، بين الإسفاف الشنيع والموضوعية النسبية، بين الافتراء والانصاف، بين الاستعلاء والنزاهة، بين الفحش الصارخ والتسامح العاقل».

هذا البغض للعالم الإسلامى وديانة المسلمين ليس معرفيا فحسب، لكن له بعد وثيق الصلة بالاستعلاء والشعور بالتفوق العرقى والحضارى. وهو ما فصل فيه الفيلسوف الفرنسى المسلم روجيه جنارودى فى كتابه حوار الحضارات، حين وصف الاستعلاء الغربى على المسلمين بأنه «الشر الأبيض».

لقد قصدت الإشارة إلى هذه الخلفية لكى ألفت النظر إلى أن أحداث الحادى عشر من سبتمبر لم تكن منشئة لبغض الأمريكيين المتعصبين والمتطرفين الغربيين للإسلام والمسلمين، ولكنها كانت كاشفة عن ذلك البغض. وأذكر هنا أن مشاعر العرب خاصة نحو الولايات المتحدة الأمريكية اتسمت بالود يوما ما، حين طالب أهالى سوريا وفلسطين عند نهاية الحرب العالمية الأولى أن تكون الولايات المتحدة هى الدولة المنتدبة على بلادهم وليس بريطانيا أو فرنسا. تعبيرا عن ثقتهم فيها وحسن ظنهم بها وقتذاك قبل ان تسفر عن تطلعاتها بعد الحرب العالمية الثانية، و تقف مع اسرائيل ضد العرب.

وهو ما أثبته الدكتور رءوف حامد فى بحثه المنشور بكتاب «صناعة الكراهية فى العلاقات العربية ــ الأمريكية».أدرى أن صورة بعض المسلمين وممارساتهم تثير النفور حقا وتبعث على إساءة الظن بهم، لكننى أزعم أن الغربيين وساستهم بوجه أخص لم يحسنوا الظن بالمسلمين ولا عبروا عن احترامهم. قبل أن يطالعوا تلك الصورة أو الممارسات المنفرة. وتظل المشكلة أننا احترمناهم واعترفنا بديانتهم وشرعيتهم على المستوى العقيدى، لكن قياداتهم الدينية لم تعترف بشرعية الإسلام وكونه ديانة سماوية حتى هذه اللحظة.

كما أننا قبلناهم على المستوى الحضارى ولم نتردد فى التعلم منهم حتى صار بعضنا يدعو إلى اللحاق بهم، لكنهم لم يعترفوا لنا بخصوصية، واعتبروا أن تقدمنا مرهون بقدرتنا على تمثلهم واستنساخ تجربتهم. ولا أنكر أن لدى عامة المسلمين شعورا بالمرارة والسخط إزاء ساستهم وسياساتهم، وليس ضد شعوبهم أو ثقافتهم. لكن الصوت المعلى عندهم مشحون بمشاعر السخط على أمتنا بأسرها.

و شجعهم على ذلك ما اصاب الامة من انكسار و وهن حتى إن السيد أوباما حين أراد أن يثنى القس الذى دعا إلى إحراق المصحف عن عزمه، فإنه حذره من أن ذلك يهدد أمن الجنود الأمريكيين فى العراق وأفغانستان، وعز عليه أن يشير إلى أن ذلك يمثل إهانة للمليار ونصف المليار مسلم. إذا سألتنى ما العمل، فردى أن الأمر يتطلب حديثا مطولا مناقشة أوسع يشترك فيها آخرون من أهل الغيرة والنظر.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

الأحد، 12 سبتمبر 2010

لقاء مع حارق القرآن على قناة Quran Burning Issue: Terry Jones on CNN




لماذا يكرهوننا؟ 

 

فهمى هويدى

أظن أن من حقنا الآن أن نسأل: لماذا يكرهوننا فى الغرب؟ ولماذا هان امرنا حتى أصبح يتجرأ على ديننا ومقدساتنا كل من هب ودب من المتعصبين والكارهين؟

(1)
خلال الأسبوعين الأخيرين على الأقل كانت لوثة حرق المصاحف التى خرجت من إحدى كنائس ولاية فلوريدا عنوانا رئيسيا فى الصحف ونشرات الأخبار. وقبلها بأسابيع كان الجدل مثارا فى الولايات المتحدة حول فكرة «مركز قرطبة»، الذى قيل إنه مسجد يراد له أن يبنى بالقرب من موقع البرجين اللذين تم تفجيرهما فى هجمات 11 سبتمبر.

وهو ما صور بحسبانه استفزازا لمشاعر الأمريكيين وتحديا لهم. الأمر الذى قسم الرأى العام بين مؤيد ومعارض. أدرى أن الرئيس أوباما أدان اللوثة وأن وزيرة الخارجية تبنت نفس الموقف، الذى عبر عنه آخرون من رموز النظام والقيادات الدينية. لكن ما حدث أن أصداء الحملة ترددت فى مختلف أنحاء الولايات المتحدة، وبدا أن الموج أعلا وأقوى من أن تصده تصريحات السياسيين. ومن ثم أحدث تسميم الأجواء مفعوله فى ثلاثة اتجاهات هى:

* إن خطاب المتطرفين والمتعصبين أصبح يربط بصورة مباشرة بين الإرهاب والإسلام، متخليا عن الحذر الذى لاح يوما ما فى الفصل بين الاثنين.

* إن مشاعر الغضب عبرت عن نفسها فى حوادث عدة تعرض لها المسلمون. فطعن أحد الشبان الأمريكيين بسكين سائق تاكسى مسلم مهاجر من بنجلاديش «على أحمد شريف» حين تعرف على هويته الدينية. ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية على لسان إبراهيم هوبر مسئول الإعلام فى مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية «كير» قوله إن مساجد المسلمين تعرضت هذا العام لاعتداءات عدة.

فقد فجر رجل قنبلة يدوية الصنع فى مركز إسلامى فى جاكسونفيل بولاية فلوريدا. وجرت محاولة إحراق مسجد فى أرلنجتون بولاية تكساس. ووجهت تهديدات أخرى لمسجد فى فريسنو بولاية كاليفورنيا. وشب حريق مشبوه قرب موقع يفترض أن يُبنى فيه مسجد بولاية تنييسى.

ــ قبل عشرة أيام أجرى استفتاء بين الأمريكيين تبين منه أن أكثر من 60٪ منهم يعارضون بناء مركز قرطبة فى موقعه الحالى و10٪ عارضوا مبدأ بناء المساجد فى أمريكا وعبر 50٪ من المستطلعين عن نظرتهم السلبية إلى الإسلام، فى حين قال 33٪ إن الإسلام يشجع على العنف ضد غير المسلمين. وهذه نسبة تعادل ضعف الذين أيدوا الفكرة ذاتها قبل 8 سنوات، الأمر الذى يدل على تنامى مؤشرات الربط بين الإسلام والعنف.

(2)
الموقف فى أوروبا لا يختلف كثيرا. فالتخويف من أسلمة القارة وتحولها إلى أورابيا (أوروبا العربية) يتردد حينا بعد حين، ليس فقط على ألسنة زعماء اليمين الذين يزداد مؤيدوهم فى أوروبا، ولكن أيضا على ألسنة بعض مسئولى الفاتيكان (لا تنس أن البابا الحالى هاجم الإسلام واعتبره ديانة تحض على العنف). إذ قبل أيام قليلة (السبت 4/9) خرجت مظاهرة فى باريس ضمت ممثلى 26 منظمة مطالبة بمقاومة «الخطر الإسلامى». ورفع بعض المشاركين فى التجمع الذى دعت إليه جمعية «الرد العلمانى» كتب عليها: لا للحجاب والنقاب. ولا نريد طالبان فى فرنسا. وظهر أحدهم حاملا علم فرنسا فى يد وزجاجة خمر فى اليد الأخرى. وقال للصحفيين إننا ضقنا ذرعا بهذه الديانة ولن نسمح للرجال بضرب النساء وتنشر العنف كأسلوب حياة. ومعروف أن فرنسا كانت سباقة إلى حظر الحجاب فى المدارس الحكومية، ومنع الظهور بالنقاب فى الأماكن العامة، مع فرض غرامات مالية على المخالفات. وهى الصرعة التى ترددت أصداؤها فى دول أوروبية أخرى بعد ذلك.

ليست بعيدة عن الأذهان قصة الرسوم الدنماركية التى أهانت النبى محمد عليه الصلاة والسلام. ودافع عنها رئيس الوزراء هناك. وبين أيدينا سجل طويل من التصريحات المعادية للإسلام والمنددة به التى ما برح يطلقها فى هولندا القيادى والنائب اليمينى جيرت فيلدر، الذى ازدادت شعبيته فى الانتخابات الأخيرة، وأصبح حزبه القوة السياسة الثالثة فى هولندا. وهو يتزعم الآن حملة لتوحيد جهود اليمين الأوروبى للمطالبة بإخلاء أوروبا من المسلمين. وفى النمسا حملة موازية تتبنى نفس الأطروحات.

يقودها حزب الحرية اليمينى. الذى فاز بـ17.5٪ من الأصوات فى انتخابات عام 2008. وكان من نتائج التعبئة المضادة أن ظهرت فى الأسواق لعبة على الإنترنت باسم «وداعا للمسجد»، يزيل فيها اللاعبون رسوما متحركة يهدمون بها مساجد ومآذن ويتخلصون من مؤذن ملتح يحث المسلمين على الصلاة. وقد حظرت الحكومة تلك اللعبة.

فى ألمانيا تتزايد مؤشرات الخوف من الإسلام والمسلمين، بعدما بينت الاستطلاعات التى أجراها معهد «ديماب» أن 70٪ من الألمان يستشعرون ذلك القلق. وقد جاء مقتل الباحثة المصرية مروة الشربينى فى العام الماضى على يد أحد العنصريين الألمان، ليلفت الانتباه إلى تفشى «الإسلاموفوبيا» فى المجتمع، وإلى دور الأحزاب اليمينية فى إذكاء المشاعر المعادية.

وبدرجة أو أخرى خيمت الأجواء ذاتها على سويسرا، التى قاد فيها الحزب اليمينى حملة لحظر مآذن المساجد، وأيدت الأغلبية هذا الموقف فى الاستفتاء الذى أجرى فى العام الماضى.

(3)
أوافق تماما على أن حملة العداء للمسلمين والإسلام يقودها نفر من المتطرفين المتعصبين وغلاة المحافظين، وأن فى العالم الغربى آخرين أكثر حصافة وتعقلا. لكن الحاصل أن صوت المتطرفين هو الأعلى بحيث مكنتهم ثورة الاتصال من تعبئة الرأى العام واستنفاره. ولذلك فإن شعبيتهم تتزايد، بدليل تزايد الأصوات التى يحصدونها فى الانتخابات البرلمانية عاما بعد عام.

أدرى أيضا أن ثمة اختلافا فى ملابسات ودوافع حملة العداء بين الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا. فالدوافع فى أمريكا سياسية بالدرجة الأولى. ونفوذ اللوبى الصهيونى وغلاة المحافظين لا ينكر هناك. ثم إن هناك رأيا قويا يربط بين اشتداد الحملة فى الوقت الراهن وبين انتخابات التجديد النصفى للكونجرس فى شهر نوفمبر القادم، التى يأمل الجمهوريون فى تحقيق فوز محسوس فيها على الديمقراطيين.

أما فى أوروبا فالدوافع اقتصادية فى الأغلب. ذلك أن الأزمة الاقتصادية انعشت عناصر اليمين وأثارت قلق قطاعات من الأوروبيين إزاء وجود المسلمين فى سوق العمل واستمرار هجراتهم عبر شواطئ البحر الأبيض المتوسط، وهو ما يشكل عبئا على اقتصاديات الدول الأوروبية ويرتب نفورا من المسلمين.

أيا كانت التباينات والاختلافات بين أوروبا وأمريكا فإنها لا تلغى حقيقة أن حملات التعبئة ضد الإسلام والمسلمين أحدثت أثرها فى تسميم أجواء علاقات الغربيين مع المسلمين، الأمر الذى يهدم ما قيل عن حوار الحضارات والتعايش والتسامح الذى بشر به نفر من المثقفين، بذات القدر فإن ذلك يفتح الأبواب لفكرة صدام الحضارات التى اطلقها المحلل السياسى الامريكى فرانسيس فوكوياما (عام 1989)، ولم تؤخذ على محمل الجد فى حينها، لكنها تبدو الآن احتمالا واردا، من الناحية النظرية على الأقل.

(4)
نحن بإزاء مشكلة حقيقية مرشحة للتصاعد، تكاد تكرر أجواء العداء للسامية التى خيمت على ألمانيا فى أواخر القرن التاسع عشر، ولئن كان العداء للسامية قد أصاب بضعة ملايين من اليهود آنذاك لا يكاد يتجاوز مجموعهم عدد أصابع اليدين، فإن لوثة استعداء المسلمين وإهانتهم تمس مليارا ونصف المليار مسلم، للدول الغربية مع أقطارهم مصالح جمة بالغة الحيوية.

وإذا كان العداء للسامية يمثل لحظة عابرة فى التاريخ، فإن العداء للإسلام له تاريخ طويل، يذهب به البعض إلى القرن السابع الميلادى «برنارد لويس» حيث نزلت رسالة الإسلام فى وجود المسيحية واليهودية. ويؤرخ له أكثر الباحثين بزمن الحروب الصليبية فى القرن الحادى عشر، التى عبئت لأجلها أوروبا ببغض الإسلام والمسلمين قبل شن الحملات العسكرية بدعوى تخليص بيت المقدس من شرورهم.

ورغم انتهاء تلك الحملات فى القرن الثالث عشر، إلا أن التعبئة الثقافية المضادة لم تتوقف، وظل مفعولها حاضرا فى تشويه الوعى الأوروبى، وكامنا فى ثنايا جميع مراجعه وموسوعاته. وهو ما نضح على كتابات أغلب المستشرقين وأطروحات الباحثين ومناهج التعليم.

وهو ما عبر عنه الدكتور محمود حمدى زقزوق فى كتابه «الإسلام فى تصورات الغرب» ـ الذى أصدره فى عام 1987 حين كان عميدا لكلية أصول الدين، حين قال إنه «من المعلوم أن الكتابات الغربية فى الإسلام ونبيه تترواح بين الجهل التام والمعروفة الموجهة، بين الإسفاف الشنيع والموضوعية النسبية، بين الافتراء والانصاف، بين الاستعلاء والنزاهة، بين الفحش الصارخ والتسامح العاقل».

هذا البغض للعالم الإسلامى وديانة المسلمين ليس معرفيا فحسب، لكن له بعد وثيق الصلة بالاستعلاء والشعور بالتفوق العرقى والحضارى. وهو ما فصل فيه الفيلسوف الفرنسى المسلم روجيه جنارودى فى كتابه حوار الحضارات، حين وصف الاستعلاء الغربى على المسلمين بأنه «الشر الأبيض».

لقد قصدت الإشارة إلى هذه الخلفية لكى ألفت النظر إلى أن أحداث الحادى عشر من سبتمبر لم تكن منشئة لبغض الأمريكيين المتعصبين والمتطرفين الغربيين للإسلام والمسلمين، ولكنها كانت كاشفة عن ذلك البغض. وأذكر هنا أن مشاعر العرب خاصة نحو الولايات المتحدة الأمريكية اتسمت بالود يوما ما، حين طالب أهالى سوريا وفلسطين عند نهاية الحرب العالمية الأولى أن تكون الولايات المتحدة هى الدولة المنتدبة على بلادهم وليس بريطانيا أو فرنسا. تعبيرا عن ثقتهم فيها وحسن ظنهم بها وقتذاك قبل ان تسفر عن تطلعاتها بعد الحرب العالمية الثانية، و تقف مع اسرائيل ضد العرب.

وهو ما أثبته الدكتور رءوف حامد فى بحثه المنشور بكتاب «صناعة الكراهية فى العلاقات العربية ــ الأمريكية».أدرى أن صورة بعض المسلمين وممارساتهم تثير النفور حقا وتبعث على إساءة الظن بهم، لكننى أزعم أن الغربيين وساستهم بوجه أخص لم يحسنوا الظن بالمسلمين ولا عبروا عن احترامهم. قبل أن يطالعوا تلك الصورة أو الممارسات المنفرة. وتظل المشكلة أننا احترمناهم واعترفنا بديانتهم وشرعيتهم على المستوى العقيدى، لكن قياداتهم الدينية لم تعترف بشرعية الإسلام وكونه ديانة سماوية حتى هذه اللحظة.

كما أننا قبلناهم على المستوى الحضارى ولم نتردد فى التعلم منهم حتى صار بعضنا يدعو إلى اللحاق بهم، لكنهم لم يعترفوا لنا بخصوصية، واعتبروا أن تقدمنا مرهون بقدرتنا على تمثلهم واستنساخ تجربتهم. ولا أنكر أن لدى عامة المسلمين شعورا بالمرارة والسخط إزاء ساستهم وسياساتهم، وليس ضد شعوبهم أو ثقافتهم. لكن الصوت المعلى عندهم مشحون بمشاعر السخط على أمتنا بأسرها.

و شجعهم على ذلك ما اصاب الامة من انكسار و وهن حتى إن السيد أوباما حين أراد أن يثنى القس الذى دعا إلى إحراق المصحف عن عزمه، فإنه حذره من أن ذلك يهدد أمن الجنود الأمريكيين فى العراق وأفغانستان، وعز عليه أن يشير إلى أن ذلك يمثل إهانة للمليار ونصف المليار مسلم. إذا سألتنى ما العمل، فردى أن الأمر يتطلب حديثا مطولا مناقشة أوسع يشترك فيها آخرون من أهل الغيرة والنظر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الأحد، 12 سبتمبر 2010

لقاء مع حارق القرآن على قناة Quran Burning Issue: Terry Jones on CNN




لماذا يكرهوننا؟ 

 

فهمى هويدى

أظن أن من حقنا الآن أن نسأل: لماذا يكرهوننا فى الغرب؟ ولماذا هان امرنا حتى أصبح يتجرأ على ديننا ومقدساتنا كل من هب ودب من المتعصبين والكارهين؟

(1)
خلال الأسبوعين الأخيرين على الأقل كانت لوثة حرق المصاحف التى خرجت من إحدى كنائس ولاية فلوريدا عنوانا رئيسيا فى الصحف ونشرات الأخبار. وقبلها بأسابيع كان الجدل مثارا فى الولايات المتحدة حول فكرة «مركز قرطبة»، الذى قيل إنه مسجد يراد له أن يبنى بالقرب من موقع البرجين اللذين تم تفجيرهما فى هجمات 11 سبتمبر.

وهو ما صور بحسبانه استفزازا لمشاعر الأمريكيين وتحديا لهم. الأمر الذى قسم الرأى العام بين مؤيد ومعارض. أدرى أن الرئيس أوباما أدان اللوثة وأن وزيرة الخارجية تبنت نفس الموقف، الذى عبر عنه آخرون من رموز النظام والقيادات الدينية. لكن ما حدث أن أصداء الحملة ترددت فى مختلف أنحاء الولايات المتحدة، وبدا أن الموج أعلا وأقوى من أن تصده تصريحات السياسيين. ومن ثم أحدث تسميم الأجواء مفعوله فى ثلاثة اتجاهات هى:

* إن خطاب المتطرفين والمتعصبين أصبح يربط بصورة مباشرة بين الإرهاب والإسلام، متخليا عن الحذر الذى لاح يوما ما فى الفصل بين الاثنين.

* إن مشاعر الغضب عبرت عن نفسها فى حوادث عدة تعرض لها المسلمون. فطعن أحد الشبان الأمريكيين بسكين سائق تاكسى مسلم مهاجر من بنجلاديش «على أحمد شريف» حين تعرف على هويته الدينية. ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية على لسان إبراهيم هوبر مسئول الإعلام فى مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية «كير» قوله إن مساجد المسلمين تعرضت هذا العام لاعتداءات عدة.

فقد فجر رجل قنبلة يدوية الصنع فى مركز إسلامى فى جاكسونفيل بولاية فلوريدا. وجرت محاولة إحراق مسجد فى أرلنجتون بولاية تكساس. ووجهت تهديدات أخرى لمسجد فى فريسنو بولاية كاليفورنيا. وشب حريق مشبوه قرب موقع يفترض أن يُبنى فيه مسجد بولاية تنييسى.

ــ قبل عشرة أيام أجرى استفتاء بين الأمريكيين تبين منه أن أكثر من 60٪ منهم يعارضون بناء مركز قرطبة فى موقعه الحالى و10٪ عارضوا مبدأ بناء المساجد فى أمريكا وعبر 50٪ من المستطلعين عن نظرتهم السلبية إلى الإسلام، فى حين قال 33٪ إن الإسلام يشجع على العنف ضد غير المسلمين. وهذه نسبة تعادل ضعف الذين أيدوا الفكرة ذاتها قبل 8 سنوات، الأمر الذى يدل على تنامى مؤشرات الربط بين الإسلام والعنف.

(2)
الموقف فى أوروبا لا يختلف كثيرا. فالتخويف من أسلمة القارة وتحولها إلى أورابيا (أوروبا العربية) يتردد حينا بعد حين، ليس فقط على ألسنة زعماء اليمين الذين يزداد مؤيدوهم فى أوروبا، ولكن أيضا على ألسنة بعض مسئولى الفاتيكان (لا تنس أن البابا الحالى هاجم الإسلام واعتبره ديانة تحض على العنف). إذ قبل أيام قليلة (السبت 4/9) خرجت مظاهرة فى باريس ضمت ممثلى 26 منظمة مطالبة بمقاومة «الخطر الإسلامى». ورفع بعض المشاركين فى التجمع الذى دعت إليه جمعية «الرد العلمانى» كتب عليها: لا للحجاب والنقاب. ولا نريد طالبان فى فرنسا. وظهر أحدهم حاملا علم فرنسا فى يد وزجاجة خمر فى اليد الأخرى. وقال للصحفيين إننا ضقنا ذرعا بهذه الديانة ولن نسمح للرجال بضرب النساء وتنشر العنف كأسلوب حياة. ومعروف أن فرنسا كانت سباقة إلى حظر الحجاب فى المدارس الحكومية، ومنع الظهور بالنقاب فى الأماكن العامة، مع فرض غرامات مالية على المخالفات. وهى الصرعة التى ترددت أصداؤها فى دول أوروبية أخرى بعد ذلك.

ليست بعيدة عن الأذهان قصة الرسوم الدنماركية التى أهانت النبى محمد عليه الصلاة والسلام. ودافع عنها رئيس الوزراء هناك. وبين أيدينا سجل طويل من التصريحات المعادية للإسلام والمنددة به التى ما برح يطلقها فى هولندا القيادى والنائب اليمينى جيرت فيلدر، الذى ازدادت شعبيته فى الانتخابات الأخيرة، وأصبح حزبه القوة السياسة الثالثة فى هولندا. وهو يتزعم الآن حملة لتوحيد جهود اليمين الأوروبى للمطالبة بإخلاء أوروبا من المسلمين. وفى النمسا حملة موازية تتبنى نفس الأطروحات.

يقودها حزب الحرية اليمينى. الذى فاز بـ17.5٪ من الأصوات فى انتخابات عام 2008. وكان من نتائج التعبئة المضادة أن ظهرت فى الأسواق لعبة على الإنترنت باسم «وداعا للمسجد»، يزيل فيها اللاعبون رسوما متحركة يهدمون بها مساجد ومآذن ويتخلصون من مؤذن ملتح يحث المسلمين على الصلاة. وقد حظرت الحكومة تلك اللعبة.

فى ألمانيا تتزايد مؤشرات الخوف من الإسلام والمسلمين، بعدما بينت الاستطلاعات التى أجراها معهد «ديماب» أن 70٪ من الألمان يستشعرون ذلك القلق. وقد جاء مقتل الباحثة المصرية مروة الشربينى فى العام الماضى على يد أحد العنصريين الألمان، ليلفت الانتباه إلى تفشى «الإسلاموفوبيا» فى المجتمع، وإلى دور الأحزاب اليمينية فى إذكاء المشاعر المعادية.

وبدرجة أو أخرى خيمت الأجواء ذاتها على سويسرا، التى قاد فيها الحزب اليمينى حملة لحظر مآذن المساجد، وأيدت الأغلبية هذا الموقف فى الاستفتاء الذى أجرى فى العام الماضى.

(3)
أوافق تماما على أن حملة العداء للمسلمين والإسلام يقودها نفر من المتطرفين المتعصبين وغلاة المحافظين، وأن فى العالم الغربى آخرين أكثر حصافة وتعقلا. لكن الحاصل أن صوت المتطرفين هو الأعلى بحيث مكنتهم ثورة الاتصال من تعبئة الرأى العام واستنفاره. ولذلك فإن شعبيتهم تتزايد، بدليل تزايد الأصوات التى يحصدونها فى الانتخابات البرلمانية عاما بعد عام.

أدرى أيضا أن ثمة اختلافا فى ملابسات ودوافع حملة العداء بين الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا. فالدوافع فى أمريكا سياسية بالدرجة الأولى. ونفوذ اللوبى الصهيونى وغلاة المحافظين لا ينكر هناك. ثم إن هناك رأيا قويا يربط بين اشتداد الحملة فى الوقت الراهن وبين انتخابات التجديد النصفى للكونجرس فى شهر نوفمبر القادم، التى يأمل الجمهوريون فى تحقيق فوز محسوس فيها على الديمقراطيين.

أما فى أوروبا فالدوافع اقتصادية فى الأغلب. ذلك أن الأزمة الاقتصادية انعشت عناصر اليمين وأثارت قلق قطاعات من الأوروبيين إزاء وجود المسلمين فى سوق العمل واستمرار هجراتهم عبر شواطئ البحر الأبيض المتوسط، وهو ما يشكل عبئا على اقتصاديات الدول الأوروبية ويرتب نفورا من المسلمين.

أيا كانت التباينات والاختلافات بين أوروبا وأمريكا فإنها لا تلغى حقيقة أن حملات التعبئة ضد الإسلام والمسلمين أحدثت أثرها فى تسميم أجواء علاقات الغربيين مع المسلمين، الأمر الذى يهدم ما قيل عن حوار الحضارات والتعايش والتسامح الذى بشر به نفر من المثقفين، بذات القدر فإن ذلك يفتح الأبواب لفكرة صدام الحضارات التى اطلقها المحلل السياسى الامريكى فرانسيس فوكوياما (عام 1989)، ولم تؤخذ على محمل الجد فى حينها، لكنها تبدو الآن احتمالا واردا، من الناحية النظرية على الأقل.

(4)
نحن بإزاء مشكلة حقيقية مرشحة للتصاعد، تكاد تكرر أجواء العداء للسامية التى خيمت على ألمانيا فى أواخر القرن التاسع عشر، ولئن كان العداء للسامية قد أصاب بضعة ملايين من اليهود آنذاك لا يكاد يتجاوز مجموعهم عدد أصابع اليدين، فإن لوثة استعداء المسلمين وإهانتهم تمس مليارا ونصف المليار مسلم، للدول الغربية مع أقطارهم مصالح جمة بالغة الحيوية.

وإذا كان العداء للسامية يمثل لحظة عابرة فى التاريخ، فإن العداء للإسلام له تاريخ طويل، يذهب به البعض إلى القرن السابع الميلادى «برنارد لويس» حيث نزلت رسالة الإسلام فى وجود المسيحية واليهودية. ويؤرخ له أكثر الباحثين بزمن الحروب الصليبية فى القرن الحادى عشر، التى عبئت لأجلها أوروبا ببغض الإسلام والمسلمين قبل شن الحملات العسكرية بدعوى تخليص بيت المقدس من شرورهم.

ورغم انتهاء تلك الحملات فى القرن الثالث عشر، إلا أن التعبئة الثقافية المضادة لم تتوقف، وظل مفعولها حاضرا فى تشويه الوعى الأوروبى، وكامنا فى ثنايا جميع مراجعه وموسوعاته. وهو ما نضح على كتابات أغلب المستشرقين وأطروحات الباحثين ومناهج التعليم.

وهو ما عبر عنه الدكتور محمود حمدى زقزوق فى كتابه «الإسلام فى تصورات الغرب» ـ الذى أصدره فى عام 1987 حين كان عميدا لكلية أصول الدين، حين قال إنه «من المعلوم أن الكتابات الغربية فى الإسلام ونبيه تترواح بين الجهل التام والمعروفة الموجهة، بين الإسفاف الشنيع والموضوعية النسبية، بين الافتراء والانصاف، بين الاستعلاء والنزاهة، بين الفحش الصارخ والتسامح العاقل».

هذا البغض للعالم الإسلامى وديانة المسلمين ليس معرفيا فحسب، لكن له بعد وثيق الصلة بالاستعلاء والشعور بالتفوق العرقى والحضارى. وهو ما فصل فيه الفيلسوف الفرنسى المسلم روجيه جنارودى فى كتابه حوار الحضارات، حين وصف الاستعلاء الغربى على المسلمين بأنه «الشر الأبيض».

لقد قصدت الإشارة إلى هذه الخلفية لكى ألفت النظر إلى أن أحداث الحادى عشر من سبتمبر لم تكن منشئة لبغض الأمريكيين المتعصبين والمتطرفين الغربيين للإسلام والمسلمين، ولكنها كانت كاشفة عن ذلك البغض. وأذكر هنا أن مشاعر العرب خاصة نحو الولايات المتحدة الأمريكية اتسمت بالود يوما ما، حين طالب أهالى سوريا وفلسطين عند نهاية الحرب العالمية الأولى أن تكون الولايات المتحدة هى الدولة المنتدبة على بلادهم وليس بريطانيا أو فرنسا. تعبيرا عن ثقتهم فيها وحسن ظنهم بها وقتذاك قبل ان تسفر عن تطلعاتها بعد الحرب العالمية الثانية، و تقف مع اسرائيل ضد العرب.

وهو ما أثبته الدكتور رءوف حامد فى بحثه المنشور بكتاب «صناعة الكراهية فى العلاقات العربية ــ الأمريكية».أدرى أن صورة بعض المسلمين وممارساتهم تثير النفور حقا وتبعث على إساءة الظن بهم، لكننى أزعم أن الغربيين وساستهم بوجه أخص لم يحسنوا الظن بالمسلمين ولا عبروا عن احترامهم. قبل أن يطالعوا تلك الصورة أو الممارسات المنفرة. وتظل المشكلة أننا احترمناهم واعترفنا بديانتهم وشرعيتهم على المستوى العقيدى، لكن قياداتهم الدينية لم تعترف بشرعية الإسلام وكونه ديانة سماوية حتى هذه اللحظة.

كما أننا قبلناهم على المستوى الحضارى ولم نتردد فى التعلم منهم حتى صار بعضنا يدعو إلى اللحاق بهم، لكنهم لم يعترفوا لنا بخصوصية، واعتبروا أن تقدمنا مرهون بقدرتنا على تمثلهم واستنساخ تجربتهم. ولا أنكر أن لدى عامة المسلمين شعورا بالمرارة والسخط إزاء ساستهم وسياساتهم، وليس ضد شعوبهم أو ثقافتهم. لكن الصوت المعلى عندهم مشحون بمشاعر السخط على أمتنا بأسرها.

و شجعهم على ذلك ما اصاب الامة من انكسار و وهن حتى إن السيد أوباما حين أراد أن يثنى القس الذى دعا إلى إحراق المصحف عن عزمه، فإنه حذره من أن ذلك يهدد أمن الجنود الأمريكيين فى العراق وأفغانستان، وعز عليه أن يشير إلى أن ذلك يمثل إهانة للمليار ونصف المليار مسلم. إذا سألتنى ما العمل، فردى أن الأمر يتطلب حديثا مطولا مناقشة أوسع يشترك فيها آخرون من أهل الغيرة والنظر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق